الطاهر ساتي

قصة فكرين ..!!


:: مركز كارتر الذي يكافح عمى الأنهار في بلادنا، من منظمات المجتمع المدني غير ربحية..أسسه – في عام 1982- الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر وحرمه..ومن يُشكل مجلس أمناء مركز كارتر هم بعض رجال المال والعلماء وقيادات سياسية وعسكرية متقاعدة، وبعض الشخصيات البارزة في المجتمع الأمريكي، و بعض أهل الخير من كل بقاع الكون .. ويهدف مركز كارتر إلى تحسين حياة بعض الناس في أكثر من سبعين دولة.. وفي العام 2002، فاز مؤسس هذا المركز – جيمي كارتر – على جائزة نوبل للسلام لأنه ساهم – ولا يزال – في نشر ثقافة السلام و التنمية ..!!
:: وليس كارتر فقط، بل لكل لمشاهير الغرب – في مختلف ضروب الحياة – مشاريع وأعمال خيرية تستلهم أهدافها من (تجاربهم الخاصة).. وعلى على سبيل المثال، لأشهر علماء الطب النفسي، الدكتور فيل، مؤسسة خيرية تعمل في مجال صحة الطفول..ولنجم كرة السلة العالمي كوبي براينت منظمة خيرية تعمل في مجال دعم ورعاية الأسر المتعففة.. أما نجم موسيقى الروك العالمي جون جوفي، فله مؤسسة خيرية يساهم ريعها في توفير الغذاء للمتشردين..ولنجم الكوميديا تايلر بيري أيضاً مؤسسة خيرية تخدم الشباب الذين بلا مأوى ..!!
:: وفي الحرب العالمية الثانية، كان اللورد ليونارد شيشر ضابطاً في الجيش البريطاني..وكان متفانياً في خدمة بلاده إلا أن تقاعد..بعد التقاعد، لم يفكر شيشر في تأسيس (شركة خاصة) أو شغل (وظيفة حكومية)..كان عميقاً في التفكير..تذكر سنوات الحرب، ثم رأى أن أزمنة السلام بحاجة الى أفكار تخدم البشرية وسلام أفرادها.. ومن هذا التفكير السليم، أطلق اللورد شيشر السراح لفكرة دار شيشر لتأهيل الأطفال المعاقين (مجاناً).. إنطلقت الفكرة من بريطانيا وانتشرت – دور شيشر – في أرجاء الكون المصابة بداء الحرب والفقر ..ودار شيشر التي بالخرطوم تحمل الرقم (250)..!!
:: والجدير بالتأمل أن هؤلاء الساسة والقادة والمشاهير مروا بتجارب مؤلمة ودروس قاسية في مرحلة ما قبل سن إعتزال المهنة الرسمية، ولذلك سخروا منظماتهم الخيرية لصالح من يمرون بذات التجارب والدروس..وبعد كل هذه المقدمة الطويلة، أفكار ما بعد تقاعد الساسة والجنرالات في الغرب،ومقارنتها بأفكار ما بعد تقاعد الساسة والجنرالات في بلادنا، هي فكرة الزاوية..أي قصة فكرين.. هناك الأفكار سامية، وبتجاوز ظلالها الوارفة المنافع الذاتية الى تظليل كل البشرية، وهنا الأفكار – كما الأشباح – بلا ظلال، أو ظلالها محض مكاسب ذاتية باستغلال النفوذ السابق..!!
:: والخبر اليوم بكل الصحف، د. مصطفى إسماعيل، وزير الخارجية الأسبق، من أقوى المرشحين لمنصب سفير السودان بالسعودية.. ثم الخبر الآخر باليوم التالي، الأستاذ علي عثمان محمد طه، النائب الأول السابق لرئيس الجمهورية، من أقوى المرشحين لمنصب سفير السودان بتركيا.. وليس في الأمر عجب ..فالسياسي في بلادنا إما أن يتنقل من منصب إلى منصب أو يغادر المناصب ويحتكر الأسواق بشركة خاصة.. ولذلك، ليس بمدهش أن تنهض الشعوب هناك وتحلق بأجنحة تلك الأفكار السامية، ويبقى بؤس حال شعوبنا قابعاً في قاع (الأفكار الأنانية)..!!