الصادق الرزيقي

خلافات الجبهة الثورية


> شخصية أكاديمية أمريكية من الوزن الثقيل وظلت تتابع الشأن السوداني، صارحت مسؤولاً سودانياً رفيعاً قبل أيام، في لقاء بمؤسسة علمية راقية في قلب مانهاتن بنيويورك، حول قضية دارفور والمنطقتين، بقولها: «إن تحالف المنظمات الامريكية المساند للمتمردين في السودان يلفظ أنفاسه الأخيرة وقد خمدت ناره ..»!! واضاف الاكاديمي والباحث الكبير، أن قضايا السودان تراجعت لدى الرأي العام في الولايات المتحدة في أوروبا، بسبب تطاول عهدها وعدم تحقيق المجموعات المسلحة المناهضة للخرطوم أي تقدم ملموس على الأرض، بالإضافة إلى اختلافات عميقة ضربت تحالف (انقذوا دارفور Safe Darfur) و «كفاية Enough» بسبب اتهامات مالية وأسباب أخرى أهمها ما بدأ يرشح عن أن الأموال التي جمعت باسم قضية دارفور قد ذهبت إلى تمويل مشروعات استيطانية في فلسطين المحتلة لصالح منظمات صهيونية تتصيد مثل هذه القضايا وتتاجر بها وتجمع التبرعات الضخمة وتحويلها إلى حسابات في دولة الكيان الصهيوني.
> ويبدو أن الزلزال العنيف الذي ضرب الجبهة الثورية وجعل قياداتها تختلف مع بعضها وهي تقف اليوم على شفير الهاوية والانقسام واجتماعات التصدع الكامل، عقب رفض مالك عقار تسليم قيادة الجبهة الثورية لجبريل إبراهيم وحرب البيانات التي تصدر من طرفي الخلاف الداخلي، له علاقة مباشرة بضعف الاهتمام الغربي وخاصة المنظمات الأمريكية والأوروبية بهذه القضية بعد اكتشافها أن الجبهة الثورية لا طائل من تحتها، وهي مجموعة من الفاشلين ومتبطلي السياسة ومدعي العمل الثوري، وقد قضت هذه المنظمات وطرها من الجبهة الثورية وحققت منها بعض أغراضها ولم تعد بحاجة كبيرة إليها إلا ما تقتضيه الحاجة من مهاجمة الحكومة في السودان والضغط عليها.
> لقد تخلى الداعمون عن ربائبهم، والدليل على ذلك تراجع قضية دارفور والمنطقتين في الإعلام الأمريكي والسأم البالغ لدى بعض نواب الكونغرس والبرلمانات الاوروبية من وقوفهم غير المجدي مع حركات ومجموعات مسلحة لم تتفق حتى على كيفية عملها واختيار قيادتها، دعك من إسقاط النظام في الخرطوم!!
> فلا يظنن أحد أن الخلاف بين حركات دارفور وقطاع الشمال في الحركة الشعبية هو وحده ما تسبب في العاصفة التي هزت أرجاء الجبهة الثورية ووضعت رأسها على المقصلة، فإحجام المنظمات الامريكية والأوروبية عن الدعم السياسي والمالي والشكوك حول فساد قادة الجبهة الثورية واكتناز حساباتهم البنكية بالأموال وتعاملاتهم التجارية المشبوهة وشركاتهم في شرق إفريقيا وتجنيد الأطفال القسري الذي أثار حفيظة جهات حقوقية غربية، جعل من الصعوبة بمكان استمرار العلاقة بين الطرفين كما كانت.
> وخير دليل على انحسار الاهتمام بقضية دارفور والمنطقتين، أن التظاهرات التي كانت تنظم في العاصمة الأمريكية واشنطون وفي مدينة نيويورك في ميدان داغ همرشولد متزامنة مع اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، قد اختفت تماماً هذا العام خلال الدورة الحالية للمنظمة الدولية، واختفى حتى ممثلو الحركات المسلحة من المحافل المختلفة في امريكا والبلدان الاوروبية وصاروا يتامى لا يحتضنهم أحد، لا منظمات ولا مراكز دراسات ولا أعضاء في الكونغرس، وكان هؤلاء الممثلون والقادة للحركات يحظون قبل فترة قليلة بمعاملة خاصة ويستقبلهم أعضاء مجلسي الكونغرس والشيوخ ويلتقطون معهم الصور التذكارية ويستقبلهم سكان البيت الأبيض ووزارة الخارجية الامريكية وكبار مسؤولي الإدارة.
> كسوف شمس هذه القضية ونجاح الحوار الوطني مهما كان الرأي فيه من البعض المتشكك في نجاحه، أدى إلى خلخلة الصف الداخلي للجبهة الثورية وزاد من خلافاتها وجراحها النازفة، وقاصمة الظهر التي أدت إلى التراشق بالبيانات والبيانات المضادة، ليس بعدها التئام مرة أخرى، ولن تعود الحركات الدارفورية إلى قطاع الشمال مهما بذلت من وساطات ومحاولات لحل الخلافات وتسليم الرئاسة لرئيس العدل والمساواة الذي يجد الدعم من الحركات المتمردة الأخرى.
> وما يزيد من حالة الاستغراب والاستعجاب.. أن الجبهة الثورية التي كانت تريد إسقاط النظام أو تفكيكه.. تفككت هي من تلقاء نفسها.. وسقطت في هاوية التلاسن والخلاف!!