الطيب مصطفى

الاتصالات الحيطة القصيرة!


كنا حتى قبل سنوات قليلة من الدول المتقدمة نسبياً في مجال الاتصالات، على الأقل في محيطنا الإقليمي الأفريقي والعربي، لكن الأزمة الاقتصادية التي أصابت كل شيء في حياتنا عدت على هذا القطاع الحيوي كما عدت على غيره وفعلت به الأفاعيل.
ظللنا نقول منذ زمن بالصوت الجهير إن الاتصالات هي بحق قاطرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ولا ينبغي لمن يجلس على مقعد التخطيط الشامل أن يكون غافلاً عن هذه الحقيقة التي ينبغي أن تكون حاضرة بقوة لدى أصحاب القرار في الدولة.
ما الذي دهى هذا القطاع الحيوي حتى غدا إجراء مكالمة هاتفية كاملة، لا تنقطع عدة مرات، حلماً بعيد المنال، ومن المسؤول عن هذا التردي المريع رغم علم المسؤولين في الدولة، وفي الهيئة القومية للاتصالات وفي شركات الاتصالات أن البلاد وشعبها واقتصادها يدفعون ثمناً غالياً جراء ذلك التدهور الذي أصاب هذا القطاع الخطير؟.
صحيح أن شركات الاتصالات تعاني من انخفاض أسعارها مقارنةً بكل دول الجوار نتيجة لانخفاض الجنيه السوداني في مقابل الدولار، سيما وأن ضريبة القيمة المضافة على الاتصالات تبلغ 30% يدفعها المواطنون لخزانة الدولة عبر فاتورة شركات الاتصالات التي تسدد علاوةً على ذلك ضرائب باهظة، وصحيح أن الشركات تعاني من بعض التضييق على تحويل أرباحها لكن هل هذا يقف مبرراً كافيا لقيام الشركات بخفض الصرف على تطوير الشبكة؟.
حتى قبل سنوات قليلة كانت كل من الشركات تصرف في المتوسط حوالى 100 مليون دولار في العام، أما اليوم فإن أفضلها لا تصرف أكثر من ثلث هذا المبلغ، وهناك من يصرف أقل من ذلك بكثير، الأمر الذي أدى إلى أن يبلغ الضغط على الشبكات المنهكة والسعات المحدودة لتلك الشركات بسبب عدم التطوير والتحديث والتجديد منتهاه، خاصة في أوقات الذروة مما يتسبب في انقطاع الخدمة أو تعذرها، وذلك ما يطول حتى خدمات الانترنت التي تتأثر بما تتأثر به المكالمات جراء ضعف الشبكة وتشبعها رغم أن هناك سعات كافية في كوابل الألياف الضوئية الخاصة ببعض الشركات.
الغريب في الأمر أن الدولة (تسد دي بي طينة ودي بي عجينة)، ولا تكترث بما يحدث لهذا القطاع الحيوي بالرغم من أنها باتت تكثر الحديث عن حاجتها إليه في سبيل انجاز الحكومة الإلكترونية والتحصيل الإلكتروني، وغير ذلك من الخدمات التي تحتاج إلى قطاع الاتصالات كما أن الحكومة تغفل عن حقيقة أن الاتصالات باتت من أهم معايير تقدم الأمم والدول، فكل شيء مرصود وتقارير الاتحاد الدولي للاتصالات لا تترك شاردة ولا واردة إلا وتحصيها ولا أظن أن هناك دولة لا تهمها سمعتها ومكانتها بين الأمم.
أقولها وكلي ثقة إنه إن كانت شركات الاتصالات تشكو من تأثير الضائقة الاقتصادية على خدماتها فإن أرباحها المعلنة رغم التضييق تشي بأن هناك متسعاً يتيح لها أن تبذل في سبيل تطوير شبكاتها أكثر مما تفعل الآن، سيما وأن الشركة التي تصرف في تحديث وتطوير شبكتها ستجني ذلك زيادة في مشتركيها وفي إيراداتها وأرباحها على حساب تلك التي تغل يدها وتمسك عن الصرف.
ذلك ما يجعلني أبحث عن دور أكبر للهيئة القومية للاتصالات من خلال استخدام سلطتها التنظيمية للضغط على شركات الاتصالات بشكل أكبر مما أراه اليوم، فالعقود المبرمة مع الشركات تتيح لها إعمال سلطتها بشكل أكثر صرامةً.
لست مطلعاً بشكل دقيق على
تفاصيل واقع الاتصالات الآن، لكن المتاح من معلومات يجعلني، بكل تواضع، أضع مبضعي في موطن العلة بالرغم من ثقتي في قدرات الوزيرة د. تهاني عبدالله ومدير الهيئة القومية للاتصالات د.يحيى عبدالله الذي ظل منذ وقت طويل منغمساً في تضاريس وتلافيف قطاع الاتصالات منذ أن كان محاضراً بارزاً في جامعة السودان، ومشاركاً في لجان تطوير القطاع أيام ثورة التحرير التي خضناها مع نخبة متميزة من العلماء أسهمت بقدر وافر في تطوير قطاع الاتصالات.
ذلك ما يدعوني إلى أن أشد على يد المدير يحيى حاضاً ومسانداً، ونحن بين يدي عام جديد يحل علينا بعد شهرين بالضغط على شركات الاتصالات في سبيل إدراج موارد أكبر في موازنات العام المقبل مع تحديد مطلوبات فنية لكل شركة ينبغي أن تلتزم بها مع تذليل العقبات التي تحول دون انطلاق قطاع الاتصالات. أما الوزيرة تهاني فينبغي أن تبذل جهداً أكبر في إقناع الدولة في أعلى مستوياتها خاصة مجلس الوزراء والقطاع الاقتصادي الوزاري بأن انطلاق القطاع من خلال سياسات ذكية وتسهيلات مشجعة مهما بلغ حجم ما يحسبه الناس فوائد ستخسرها الدولة سيعود بأضعاف ذلك أرباحاً تجنيها البلاد والمجتمع في شتى المجالات.