حيدر المكاشفي

همباتة دارفور


بعد أن انحسرت ظاهرة الهمبتة في العديد من أنحاء السودان التي اشتهرت بها، اذا بها تعيد نفسها في إقليم دارفور الذي لم يكن يعرفها من قبل، ولعل للأزمة المتطاولة – التي يعيشها هذا الإقليم المنكوب – دور بارز في بروز بعض الظواهر السالبة كنتيجة طبيعية للاضطرابات التي تعانيها دارفور ومنها ظاهرة (الهمبتة) التي تفشت فيها خلال العقد الأخير، وعلى خلاف ما اعتاده الهمباتة السابقين فإن همباتة دارفور قد تخصصوا في اصطياد الأجانب والاحتفاظ بهم كرهائن للمساومة بهم – الإطلاق نظير الفدية – فالأجانب عند هؤلاء الهمباتة درجات ومقامات، أعلاها الأميركي وأدناها الأفريقي وبينهما أهل الجنسيات والقوميات الأخرى، وبناءً على هذا التصنيف الهمباتي، يكون من اصطاد أميركياً واحتجزه كرهينة قد قبض صيداً سميناً، أما من يضطره حظه العاثر حين لا يعثر على أميركي أو صاحب أي بشرة بيضاء فيصطاد أفريقياً، فهو بلا شك يكون قد عثر على (فار ميت أو حمام ميت) في أحسن الأحوال، وفي هذا الصدد كنت قد رويت لكم من قبل حكاية الهمباتي الذي اصطاد بلغارياً وكان يحسبه أميركياً سيأكل من ورائه الشهد بحسبانه الأعلى مقاماً والأغلى سعراً، وعندما أتم بنجاح عملية الاختطاف وتحقق من هوية المختطف وجد أنه ليس أميركياً وإنما على حد تعبيره (هوان ساكت ما جايب همو)، وبناءً عليه نصحه رفيقه الهمباتي الآخر بأن يسرع في إطلاق سراحه حتى دون أي مقابل كي لا يكلفه المزيد من الصرف على موية الصحة التي يشربها والساردين الذي يطفحه، أو كما قال حرفياً (أطلقا ما يخسرك موية صحة وساردين ساكت)، ذلك أن الهمباتة كي يحتفظوا برهائنهم الأجانب أصحاء، لا يطعمونهم طعامهم الخشن ولا يسقونهم من مائهم العكر.
غير أن تطوراً جديداً قد طرأ على ممارسات همباتة دارفور في الآونة الأخيرة، إذ صاروا يتربصون حتى ببني جلدتهم من السودانيين ممن يتوسمون في اصطيادهم واحتجازهم (الخير) الكثير، ففي الأنباء الآن أن مجموعة من هؤلاء الهمباتة قد اختطفوا بعض مهندسي شركة زين واستولوا على عربتهم وطالبوا بفدية مقدارها مليوني جنيه لإطلاق سراحهم، وما يزال هؤلاء المهندسون السودانيون تحت قبضة هؤلاء الهمباتة، ولا ندري ما الذي اعتزمته السلطات لتحرير هؤلاء الرهائن، هل تستجيب لمطالب الهمباتة أم أن لها تدابير أخرى، أما الذي ندريه من واقع تكاثر عمليات الاختطاف الفاشية في دارفور بأنها أصبحت تجارة مربحة تهدف من ورائها هذه العصابات المسلحة للتربح المادي وليس الكسب السياسي، ما يعني ضمنياً أنهم بطريقة أو أخرى يستفيدون مادياً منها، وهذا هو بيت القصيد، فما لم تنقطع الفائدة المتحققة من عمليات الاختطاف، فإنها لن تنقطع وستظل عملياتها مدورة مثل (تجارة أم دورور)، وهذا هو حصاد الحروب ومحصلة الاضطرابات التي لا نعرف لها نهاية ولا كيف يتم القضاء عليها في غياب حل شامل وكامل وعادل لأزمة دارفور التي ما تزال تراوح مكانها رغم اتفاقية الدوحة وقيام السلطة الانتقالية.