سياسية

هل هناك أجندة سياسية وراء اختلاق وانتشار شائعة “أبو القنفد” ؟


رفع أحد رواد موقع التواصل الاجتماعي الشهير فيس بوك صورة ساخرة لحيوان “أبو القنفذ”، وكتب معلقاً عليها بلسان حال الأخير (خليتو الدهب وقبلتو علي). جملة قادتني إلى أن السودانيين باتوا مولعين بالاهتمام واختلاق الشائعات والجري وراءها، بما يترتب على ذلك من وقوع ضحايا. أصبحت الشائعات مصدر (إلهام) للناس في زمن ضاعت فيه الأماني والآمال الطبيعية والواقعية، بفعل الظروف القاسية. وتماشياً مع الوضع الاقتصادي السيئ الذي يمر به السودانيون، بات اختلاق خرافات وأساطير تساعد على الغنى والثراء تجتذب اهتمام الناس.
وطالع القراء بالأمس على صفحات (المجهر) خبراً مفاده بأن شرطة حماية الحياة البرية ضبطت أحد عشر شخصاً، بينهم طبيب بيطري بحوزتهم (35) قنفذاً وقدمتهم لمحاكمة عاجلة، وذلك على خلفية الشائعة التي انتشرت كالنار في الهشيم بارتفاع أسعار (أبو القنفذ) بصورة جنونية، حتى وصل إلى نصف مليار جنيه بالقديم، وبزعم أنه يساعد على الشفاء من أمراض السرطان، ويفك نحس (البورة) للفتيات. وأشارت شرطة الحياة البرية إلى أن الأشياء المذكورة غير حقيقية، ومحض كذب واحتيال على الناس.
(1)
وشكل حيوان “أبو القنفذ” محور الحديث طيلة الأيام الأخيرة، في همس المدينة ومواقع التواصل الاجتماعي، بمزاعم شفاء مرضى السرطان وجلب فارس الأحلام للنساء اللائي تعداهن قطار الزواج. ووصل الهوس والبحث عن الحيوان حداً فاق الوصف. واستبدل الكثير من المواطنين صورهم الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي، بصورة “أبو القنفذ”، ليطغى ويفوق شهرة الطفل مخترع الساعة “أحمد” والذي سيطر على الحدث في الفترة الماضية .
وبدأت الظاهرة ببيع تجار للحيوان المذكور بسوق ليبيا، وسط ما يثار عنه من أكاذيب، وفق ما قالت شرطة الحياة البرية، مما جعل سعره يرتفع، وتتناوله الصحف كمادة دسمة طيلة الأيام الفائتة وتتعدد الروايات، الداعمة للأكذوبة على شاكلة (سيدة تشفي بحيوان “أبو القنفذ” من السرطان)، وغيرها من الشائعات أو الدعاية التجارية المغرضة .
(2)
وبات انتشار الشائعات أمراً مزعجاً ومخيفاً بالبلاد في الأعوام الأخيرة، ويساعد في ذلك الكثير من العوامل أبرزها مواقع التواصل الاجتماعي بأفرعها المختلفة، خاصة (فيس بوك ــ وتساب ــ انستغرام .. الخ)، مع انتشار الأجهزة والهواتف الرقمية ذات خاصية (الاندرويد) مما يساهم في انتقال المعلومة من جوال إلى آخر بكل يسر وسهولة، هذا بخلاف الوضع الاقتصادي السيئ الذي بات يجعل الناس تستسلم لأغلب الشائعات، نتيجة لما يعانونه من إحباطات وفقدان الأمل في أي شيء.
(3)
الباحثة الاجتماعية د.”ثريا إبراهيم” علقت باقتضاب لــ(المجهر) في معرض الطرح، محملة مواقع التواصل الاجتماعي مسؤولية الشائعات المغرضة وانتشارها. وأشارت خلال حديثها إلى أن الشائعة لا تسري وتكون خصبة إلا في دول العالم الثالث، وذلك للعقلية المتخلفة في أوساط هذه المجتمعات الضعيفة فكرياً ومادياً.
ولم تبرئ د.”ثريا” عوالم السياسة من الأمر، وهي تجزم بأن أغلب الشائعات المنتشرة وراءها أهداف ذات بعد سياسي .
غير أن السياسي، بالمؤتمر الوطني د.”ربيع عبد العاطي” رفض اتهام السياسيين بالأمر، وقال بأنهم ليسوا أطرافاً في هذه القضية، ولكن السياسة كفكر مسؤولة عن ما يجري بالبلاد.
وأضاف في تعليقه لــ(المجهر) بأن هنالك جهات تسعى لإبراز الرأي العام السوداني في شكل (أضحوكة)، من خلال نشر قصص وهمية مثل شائعة (أبو القنفذ)
(4)
الخبير الأمني العميد (م) “صلاح الدين كرار”، ذكر أن عدداً من الأسباب تكمن وراء انتشار مثل هذه الشائعات. وقال لــ(المجهر) بأن أول الأسباب في انتشارها هو تطور وسائل الاتصال ومواقع التواصل الاجتماعي، مما يسهل سرعة وصول المعلومة بسرعة، بالإضافة إلى أن مناخ السودان مهيأ لتلقي الشائعة، وذلك نسبة للعقلية السودانية والتي تتبنى الشائعة وتتناقلها وتروجها.
ولم يستبعد “كرار” بأن تكون هنالك جهات خارجية ومخابرات دول مثل أمريكا وإسرائيل وراء ما يحدث، وذلك بتجنيدها لأشخاص أو جهات لشغل الرأي العام أو دراسة لطبع محدد للسودانيين، إضافة إلى أن البعض، ممن ابتلوا بحب الشهرة، يمارسون ذلك من خلال إطلاق معلومات مغلوطة ووهمية، بالإضافة إلى السبب الرئيسي في نظري، وهو (الفراغ) الذي بدا شديد الدرجة لدى السودانيين.
غير أن السياسي بالحزب الاتحادي د.”علي السيد” له رأي آخر، حيث يرى بأن ضعف البيئة الصحية بالبلاد، شكل السبب الرئيسي في انتشار شائعة “أبو القنفذ” بجانب حالة الإحباط العامة، التي تسيطر على السودانيين في الوقت الراهن.
(5)
من جانبه عزا البروفيسور “علي بلدو” استشاري الطب النفسي، وأستاذ الصحة النفسية شائعة “أبو القنفذ” إلى الطبيعة الخاصة للشخصية السودانية والتي تتقبل الإيحاء بدرجة عالية، كما تمثل تربة خصبة وبيئة صالحة لانتشار الشائعات بكل أنواعها نسبة لغياب المعلومة، بجانب اختيار المغرضين للشائعات لمواضيع ذات طبيعة خاصة مثل حيوان أبو القنفذ .
وأشار في حديثه إلى أن الحيوان المذكور لم يكن معروفاً للكثير من الناس، وهو ما جعل الناس من باب حب المعرفة به أن تنتشر الشائعة.
وأشار “بلدو” إلى أن من أطلقوا هذه الشائعة ربطوها بصورة زكية جداً بمعالجتها لأشياء، وفكها لخطر العنوسة للفتيات بصورة ذكية بمصاحبة حالة الإحباط لدى الناس، وكسر الرتابة والملل مما جعلها تتسيد الساحة.
(6)
الجدير بالذكر أن شائعة “أبو القنفذ” ليست الأولى، حيث انتشرت من قبل شائعة بيع مكوة أبو ديك بملايين الجنيهات، لاحتوائها على مادة اليورانيوم، بجانب انتشار بركات بئر شهيرة بمنطقة الفتح أم درمان، زعموا بأنها تشفي المرضى إضافة إلى شائعة رجل عثر على ذهب بقيمة (2) مليار، هذا بجانب الشائعات المتعلقة بموت المشاهير الكثيرة بالسودان، وآخرها الفنان “الكابلي” أضف إلى ذلك التشهير بالقيادات السياسية باتهامها بالنصب والاحتيال والسرقة. ومن ثم الشائعة الشهيرة بظهور الفنان (علي كبك) كنموذج غنائي سيء الشكل والغناء سيطر على السودانيين لفترة من الزمان، وأخيراً شائعة “أبو القنفذ”.

المجهر السياسي