منى ابوزيد

مفَاهيم يَنبغي أن تُصحح..!


كتب إسحق بن بهلول كتاباً وجاء به إلى أحمد بن حنبل قائلاً: سميته كتاب الاختلاف، فقال له بن حنبل: بل سمِّه كتاب «السعة»..!
(1)
بعض المؤرخين – أمثال نفطويه – أوغلوا كثيراً فقالوا إن جل الأحاديث الموضوعة في فضائل بعض الصحابة افتعلت في أيّام بني أميّة تقرّباً إليهم، وإننا إذا احتكمنا إلى مواقف رسولنا الكريم سنجده لم يكن راضياً عن قتل خالد بن الوليد بني جذيمة، وكيف غضب عندما جاءه أسامة بن زيد شفيعاً للمرأة الشريفة التي سرقت، فقال مخاطباً إياه «ويلك أتشفع في حد من حدود الله».
إذا قال لك أحدهم إن الرسول – عليه أفضل الصلاة والسلام – ليس المقصود بسبب نزول سورة عبس، وإنّما المقصود بها أحد كبار الصحابة الذي عاتبه الله على عدم تحري اللطف في معاملة الأعمى الفقير.. فهل تقبل بهذا التفسير الذي يزيح عبء العتب الرباني عن كاهل سيد الخلق أجمعين؟!.. كلا بالطبع.. ستقول إنها نزلت في شأن محمد بن عبدالله مع ابن أم مكتوم، لأنك تعلم أنه بشر، وهو المعصوم..!
وكذلك ملاحظات بعض الصحابة على بعض الصحابة.. فهم ليسوا ملائكة، وليست لهم عصمة الأنبياء.. وعليه فلا ضير من مناقشة بعض الوقائع التاريخية في صدر الإسلام، لأن الحقيقة فوق كل اعتبار.. هذا عن صحابة رسول الله، فما بالك بفقهاء السلاطين في القرن الواحد والعشرين..؟!
(2)
القائلون بوجوب خفاض الإناث يستدلون بقول الرسول صلى الله عليه وسلم «الختان سنة للرجال ومكرمة للنساء»، وهو بافتراض صحته يعني الاستحسان ولا يعني الوجوب أبداً «فما يعتبر مكرمة في عصر أو قطر قد لا يعتبر كذلك في عصر أو قطر آخر».. أما عموم الفقهاء فقد أجمعوا – ضمنياً – على جواز ما يسمى بـ «ختان السنة»، ومنهم من قال بوجوبه واستحبابه، ومنهم من قال إن جوازه موقوف على توافر بعض الشروط الصحية التي يحرم في غيابها «أن تكون عملية الختان على أيدي المختصين الثقاة من الأطباء.. وأن يكون مكانها مجهزاً تجهيزاً طبياً بما يكفل سلامة الفتاة في حال حدوث أي طاريء.. وأن يتم تحري الدقة والمهارة.. إلخ».. وهي كما ترى شروط يستحيل توافرها في هذا السودان.. ولكن – قبل هذا أو ذاك – يبقى السؤال الأهم: كيف – ولماذا -سكت بقية علماء المسلمين عن غياب ختان الإناث «مطلقاً» في بلادهم، إن كان «بعضه» واجباً؟!
(3)
كلما ثار سؤال عن حقبة مهملة أو رواية مندثرة في التاريخ الإسلامي – صدر الإسلام على وجه الخصوص! – انبرى معظم علماء الدين «وليس التاريخ» لسد الذرائع، خوفاً على بعض المسلمات من غارات الأسئلة.. هذا نهج شائع – وإن كان خاطئاً – في معظم مجتمعاتنا المسلمة.. مثلاً، حينما شكك في الروايات الكثيرة القائلة إن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج السيدة عائشة وعمرها تسعة أعوام، مؤكداً على أن عمرها كان سبعة عشر عاماً، أنكر عليه فقهاء وعلماء كثر الخوض في ذلك «رغم إجماع أغلبهم على امتلاكه الأدوات اللازمة لسبر غور السيرة والتحقيق في بعض رواياتها».. الملاحظ في منهج معظم الفقهاء والعلماء في بلادنا إنكار خوض العامة في بعض التفاصيل، دون أن يجتهد أحدهم في نفي أو تأكيد بعض الإجابات على هذا النوع من الأسئلة..!