د. ياسر محجوب الحسين

ماذا يريد الترابي؟


ماذا يريد حسن الترابي؟ سؤال أخذ يتردد في السودان هذه الأيام، وربما منذ أكثر من عام أي منذ أن اتخذ قرارا بإنهاء حالة العداء المستحكم مع الرئيس عمر البشير وحزبه الحاكم والدخول معه في حوار.. المؤشرات تؤكد أن الحوار الداخلي الآن هو حوار بين حزب البشير (المؤتمر الوطني)، وحزب الترابي (المؤتمر الشعبي)، وليس حوارا كما أعلن أو يراد له يضم عشرات الأحزاب السودانية المعارضة.. والسؤال الأكثر إلحاحا: من يستخدم الآخر سياسيا، البشير أم الترابي؟، البشير يراهن على الوقت حتى تنتهي فترة ولايته الحالية في 2020، وحينها لكل حادث حديث، بينما يسعى الترابي لاستعادة نفوذه ما قبل المفاصلة 1999 مستخدما الدهاء السياسي، سيما أنه فشل في ذلك عبر المعارضة لأكثر من 15 عاما، ربما تنجح محاولة تسليط الضوء على بعض جوانب شخصية الرجل المثيرة وقراءة بعض محطاته السياسية، في المساعدة على الإجابة على التساؤل المرير. يُعتبر حسن الترابي أحد أبرز الزعماء السياسيين والقادة الدينيين في السودان، الذين أثاروا جدلاً كثيفا، فبينما يرى فيه مُريدوه، سياسيا مُحنكا بارعاً في تحريك الإعلام، إلى جانب كونه خطيبا مؤثرا وداعية ومفكرا، يرى خصومه فيه شخصا مخادعا له طموح لا يحد، وتعلّق بالسلطة، بل ويتهمونه بإصدار فتاوى تخرج عن إجماع أهل السنة، واستخدام مصطلح القياس الواسع، والقول بشعبية الاجتهاد. وهو كذلك شخصية سياسية محورية ظلت تمسك بالكثير إن لم تكن كل مفاصل المشهد السياسي السوداني منذ ظهوره الأول في أكتوبر 1964م ودائما ما كان يملك المبادرات التي تفاجئ أتباعه قبل أعدائه.. والترابي رجل لا يشق له غبار فيما يتعلق بإحكام صياغة المشاريع السياسية والفكرية، مرفود ذلك بخبرة نادرة، بيد أن الحاجة اليوم ملحة إلى حلول عملية لحالة عدم الوزن التي تسم المشهد السياسي في السودان. سنحت لي الفرصة في العام 2008م للجلوس مباشرة إلى الترابي في بيته بحضور نفر كريم من الأخوة وكان ذلك في عيد الأضحى من ذلك العام والعداء مستحكم بين البشير والترابي، وكانت الزيارة مدهشة وكشفت لي الكثير عن شخصية الرجل.. سرعان ما تحولت المعايدة إلى نوع من الحوار والنقاش حول الحركة الإسلامية في السودان وتجربتها في الحكم.. من حسنات الرجل إعلاؤه لقيمة الحوار حتى مع من هم أقل منه درجة في الخبرة والتفكير سواء كانوا شبابا أو شيوخا ولاشك أن المرء يجد متعة كبيرة في التفكير بصوت عال مع ذلك المفكر.. تشعب الحديث حول التجارب الإسلامية الأخرى في الحكم وقد اعترف الترابي بكثير من الأخطاء التي صاحبت التجربة، وتوالت عليه الأسئلة (الساخنة) من قبلنا خاصة عندما قلنا له إنك كنت عنيفا في نقد تجربة الحكم وكشف عوراته، لكنه قال إنه يحاول أن يكون صادقا مع نفسه والآخرين في نقد التجربة، وأنه يعتذر لله وحده عن أي أخطاء أو تقديرات من جانبه أصابت التجربة، وأنه لا يتحدث عن عورات.. وكان عندما يشتد وقع أسئلتنا عليه يستدعي بمهارة قدرته على السخرية الممزوجة بالطرفة.. ربما أزعم أن الترابي يفتقد إلى من (يحاوره) أو (يحاكمه) في أفكاره وآرائه، في وجود عضوية (ضعيفة) حوله، لا يجد منها إلا الطاعة العمياء. معلوم أن الترابي اعتبر لاحقا قيام الإسلاميين بانقلاب عسكري على الصادق المهدي بقيادة البشير في 1989 خطأً كبيرا، بينما سبق له أن برره في مقابلة صحفية أجريت معه حينها بقوله:»ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﺮﺓ ﻳﺘﻢ ﺇﺑﻌﺎﺩﻧﺎ ﻋﻦ ﺍﻟﺤﻜﻢ ﺑﻀﻐﻂ ﻣﻦ ﺍلولايات المتحدة الأمريكية. ﻏﻠﻘﺖ ﺍﻷﺑﻮﺍﺏ ﻓﻲ ﻭﺟﻬﻨﺎ ﻓﻤﺎﺫﺍ ﻧﻔﻌﻞ؟» ﻳﻘﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ: (ﻓﻤﻦ ﺍﻋﺘﺪﻯ ﻋﻠﻴﻜﻢ ﻓﺎﻋﺘﺪﻭﺍ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﻤﺜﻞ ﻣﺎ ﺍﻋﺘﺪﻯ ﻋﻠﻴﻜﻢ) ﻓﻘﻠﻨﺎ إﺫﻥ ﻧﺄﺕ ﺑﺎﻧﻘﻼﺏ ﻋﺴﻜﺮﻱ، ﻓﻨﺤﻦ ﻛﻨﺎ ﻣﻀﻄﺮﻳﻦ ﻟﻠﻘﻴﺎﻡ ﺑﺎﻧﻘﻼﺏ ﻋﺴﻜﺮﻱ». كانت زيارة الترابي لمصر بعيد الانتخابات التي فاز فيها الإخوان المسلمون وتولي رئاسة البلاد محمد مرسي الرئيس السابق محيرة، فقد أثنى الرجل ثناءً حارا على رجل أمريكا في مصر والمرشح للرئاسة محمد البرادعي مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية السابق ووصفه بالرجل المؤهل لقيادة مصر. ولم ينقل عنه أنه دعم الإخوان المسلمين ومرشحهم للرئاسة. وفي زيارته لحزب التجمع اليساري برئاسة رفعت السعيد طالب بضرورة تسليم البشير نفسه للمحكمة الجنائية، وفي ندوة بجامعة القاهرة طالب الترابي بتحرير المرأة مما اسماه بالقيود، وزاد:»إن الزواج في المجتمعات العربية للنساء بالأعراف والتقاليد يعتبر اغتصابا وجريمة». ومع ذلك قد لا تبدو الإجابة واضحة بما يكفي إلا أن يعترف الرجل بما يجيش في صدره، وهذه أيضا غير ممكنة لسياسي أدمن اللعبة السياسية.