الصادق الرزيقي

جولة المنطقتين


> حسب دعوة الوساطة الإفريقية، تبدأ بعد أيام جولة من المفاوضات حول وضع المنطقتين (جنوب كردفان والنيل الأزرق) بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، بين الحكومة والحركة الشعبية قطاع الشمال، وقد وافق طرفا التفاوض على ترتيبات الآلية الإفريقية رفيعة المستوى التي يقودها الرئيس الجنوب إفريقي السابق ثامبو أمبيكي، لانطلاق الجولة الجديدة دون أن يشترط أي طرف شروطاً جديدة، ويتوقع على أقل تقدير ألا يختلف الطرفان على مواصلة التفاوض حتى الوصول إلى نتائج محددة.
> ومن الضروري، الإشارة إلى أن الأجواء التي تحيط بالتفاوض، هي أجواء مواتية لإحداث اختراق رئيس، فالظروف تختلف اليوم عن آخر مفاوضات جرت قبل أكثر من عشرة أشهر، فما يحدث في الداخل سينعكس على طاولة التفاوض. فالحوار الوطني له ظلال كثيفة تتجاوز قضية المنطقتين نفسها، فعندما طالبت الحركة الشعبية قطاع الشمال في الجولات السابقة بمناقشة قضايا مناطق أخرى أقحمتها في قضيتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، لم تصدق أن الحكومة بنفسها فتحت كل قضايا البلاد ولجميع السودانيين للتحاور حولها، من الهوية إلى السلام والاقتصاد والحريات والعلاقات الخارجية ونظام الحكم والإدارة، ولم يكُ أكثر المتفائلين يعتقد أن مثل هذه القضايا والمسائل المعقدة يجري النقاش حولها بحرية من قلب الخرطوم، تتنافر فيها الأفكار وتتضاد وتتقاطع.
> أما المسائل الأخرى المتعلقة بالنقاط الخلافية التي لم تُحسم خلال الجولات السابقة، فبعضها عملياً تم تجاوزه أو السير فيه بنسبة كبيرة. فهناك وقف إطلاق نار بتوقيت زمني متبادل من طرفي الصراع والنزاع، يمكن أن يتطور إلى وقف إطلاق نار شامل، تعقبه ترتيبات أمنية وعسكرية تنهي المواجهات العسكرية والقتال، وتقود إلى إنهاء الحرب.
> ومؤخراً، وخلال زيارة وفد من الدولة المانحة، تم الاتفاق على مرور المواد الإغاثية في إطار الاتفاقية الثلاثية، وبصيغة لا يمكن الاختلاف حولها بين الطرفين المتنازعين، وبذا تكون الحجة حول عمليات الإغاثة ومواقف طرفي التفاوض منها قد وُجد لها حل توفيقي ترضاه الحكومة ولا تعترض عليه الحركة «قطاع الشمال» التي كانت تتمسك بمرور الإغاثة دون مراقبة أو تحديد.
> فإذا كانت قضايا المناطق الأخرى، إضافة للمشكل في جنوب كردفان والنيل الأزرق، مطروحة بكل تفاصيلها وبعمق أكبر في الحوار الوطني، فإن عقدة من عقد التفاوض قد يكون تم تجاوزها برغم اعتراضات قطاع الشمال على الحوار الوطني ومقاطعته له، لكن تبقى الحقيقة أنه لا خيار غير مسار الحوار لحسم هذه القضية وليس لدى قطاع الشمال خيارات أخرى يركن إليها إضافة للتطورات الجديدة في النقاط الخلافية التي ذكرناها.
> أما الوضع الإقليمي والدولي الذي يشهد متغيرات كثيرة، فإن الوضع الراهن يقتضي التعامل معها بوعي أكبر. فالإقليم لن يحتمل تطاول النزاعات والصراعات المسلحة، فالاتفاق الهش في جنوب السودان يحتاج إلى بيئة إقليمية سليمة، فهو على كف عفريت لو استمرت الحرب والنزاعات في جنوب كردفان والنيل الأزرق، فليس هناك من يرغب في إفشال الترتيبات التي تمت لدولة جنوب السودان ووضعها مرة أخرى على فوهة بركان، ومتغير آخر هو تنامي علاقات السودان مع جواره الإفريقي، خاصة يوغندا التي كانت لاعباً رئيساً في مساندة ودعم حركات التمرد والجبهة الثورية، فلم يعد من يسعى في الإقليم لاستمرار الحرب وويلاتها.
> أما الأسرة الدولية، فقد تراجعت بشكل ملحوظ الموضوعات المتعلقة بالسودان وأوضاعه، وانفتحت أبواب الحوار السياسي بين الخرطوم وعدة عواصم دولية ربما ينتهي في نهاية الأمر إلى تفهم هذه العواصم لحقيقة ما يدور وما يجري.
> إذا كانت هذه العوامل المختلفة ذات ظلال كثيفة ستلقى على الجولة القادمة، فإن الأمور لامحالة ستقود إلى فضاء أوسع من الأمل في بلوغ المفاوضات نهاياتها، خاصة إن اجتماعات قوى نداء السودان لا جديد فيها بعد تعثُّر مسير الجبهة الثورية وتفرقها أيدي سبأ، ونداء السودان وأحزابه في وضع مشابه اليوم لوضع التجمع الوطني الديمقراطي الذي كان قرنق يجمعه ويجتمع معه، بينما كانت مفاوضات نيفاشا تجري لتوقيع الاتفاق الثنائي..