تحقيقات وتقارير

التضامن مع باريس في السودان… تعدّدت الأسباب


اتخذ موضوع “التضامن مع ضحايا اعتداءات فرنسا الإرهابية”، بعداً عالمياً عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مع تغيير كثيرٍ من روّاد “فيسبوك” صورهم الشخصية، واستبدالها بصور مزيّنة بعلم فرنسا. ولم يكن روّاد “فيسبوك” في السودان، بعيدين بدورهم عن الأجواء.

في هذا السياق، شُنّت حملة شرسة على مواقع التواصل الاجتماعي على من بدّلوا صورهم بالعلم الفرنسي، ما قاد بعضهم إلى التراجع عن هذه الخطوة. ويرى منتقدون في الخطوة، نوعاً من التملّق والإذلال للغرب، باعتبار أنه حصلت عمليات إرهاب عدة في السابق، في بلدان عربية وأفريقية. قُتل خلالها الآلاف، ولم يتم التضامن مع الضحايا بمثل هذه الصورة، كفلسطين والعراق وسورية ولبنان ومالي وأفريقيا الوسطى ونيجيريا. ويعتبر بعضهم الآخر بعد تأكيده رفضه الإرهاب، أن “تفجيرات باريس بمثابة حصاد للأدوار الفرنسية في المنطقة والاتحاد الأوروبي عامة، فضلاً عن رعايتهم الإرهاب”.

وقد عمد أحد الناشطين على “فيسبوك” إلى التنقيب في كتب التاريخ وإبراز الفظائع التي ارتكبتها فرنسا بحق عرب وأفارقة، لتعزيز وجهة نظره الرافضة للتضامن مع باريس “بصورة سافرة”، على حدّ وصفه. ويعتبر الناشط، أن “فرنسا ضد الإنسانية”، مشيراً إلى “احتلالها الجزائر 132 عاماً، وتونس 75 عاماً، والمغرب 44 عاماً، وموريتانيا 55 عاماً، فضلاً عن دول أخرى كالسنغال وتشاد”. ويحيل من انتقدهم إلى كتاب للمؤرخ محمود شاكر، متعلق بتشاد. ويذكر أن “الكاتب أورد في كتابه خبراً عن إعدام فرنسا لـ400 عالم مسلم، وقطع رؤوسهم بالسواطير إبان احتلالها تشاد في عام 1917”.

كما يتساءل بعض الناشطين، ما إذا كان الفرنسيون قد تضامنوا مع السودانيين برفع علم السودان، خصوصاً أن “السودانيين واقعين تحت الإرهاب منذ 26 عاماً”، في إشارة لنظام الخرطوم الحالي، وفقاً لتعبيرهم. ويدعو الناشطون إلى “عدم تجزئة الإنسانية، التي تتطلّب المساواة، من دون إعلاء شأن على آخر”. لكنَّ مؤيدين للخطوة، دافعوا بشدّة عنها، ويرون أنها “تعبير قوي لرفض الإرهاب وردّ فعل طبيعي لضخامة الحدث، وجزء من الطبيعة السودانية، التي عُرفت بالتضامن مع مختلف الشعوب في أزماتها”.

ويُضيف أحمد، وهو أحد الذين بدّلوا صورهم على “فيسبوك”، في حديثٍ لـ”العربي الجديد”، تغيير الصورة في سياق “حريتي أن أتضامن مع من أريد، كما أرفض الإرهاب أينما كان. غير أن ما حدث هو أن مارك زوكربرغ (مؤسس فيسبوك) العنصري، وفّر تلك الخدمة لفرنسا، دون غيرها من الدول الأخرى، فلو توفّرت تلك الخدمة سابقاً لكنت فعلت الشيء نفسه”. وقد تبارى السودانيون بمن فيهم السياسيون، في إدانة اعتداءات باريس، ليتفق اليساريون والإسلاميون وغيرهم، في إدانة الحدث مع اختلاف دوافعهم، وإن كان الاتفاق مجمعاً على مبدأ رفض الإرهاب.

ووفقاً لمراقبين، فإن كل طرف من تلك الأطراف يحاول خدمة أجندته الخاصة، من خلال الإدانات، لا سيما السياسيين. وفي هذا الصدد، يعمد الإسلاميون إلى إبعاد تهمة الإرهاب عنهم، والتي بسببهم وُضع السودان لأكثر من 15 عاماً، في خانة الدول الراعية للإرهاب، بينما يحاول خصوم الإسلاميين الربط بين الأحداث والإرهاب الذي تمارسه السلطة الحالية في الخرطوم.

وفي بيان لــ”الحركة الشعبية ـ قطاع الشمال”، التي تدير حرباً ضد الحكومة في منطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان، وبعد إدانتها للأحداث وإظهار تضامنها الكامل مع شعب وحكومة فرنسا، يؤكد الأمين العام للحركة، ياسر عرمان، أن “السودان يخضع لإرهاب دولته منذ 26 عاماً، وأن النظام جزء من الشبكة الدولية للإرهاب”. ويعتبر البيان أن “ما تمّ في باريس جريمة ضد الإنسانية، يقود لخطر زيادة قدرات الشبكة الإرهابية في جميع العالم”. ووزّعت الحركة صوراً لوفدٍ منها يشارك في إضاءة الشموع ووضع أكاليل الزهور أمام مسرح باتاكلان في باريس، حيث سقط عدد من القتلى في الاعتداءات.

وكانت الحكومة السودانية، قد سارعت بنفسها لإدانة الأحداث وإعلان تضامنها الكامل مع باريس، وتأكيد تعاونها التامّ مع المجتمع الدولي في مكافحة العنف والتطرّف. وشددت في بيان للخارجية، على “ضرورة تضافر الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب ودراسة ومعالجة أسبابه وجذوره، بما يُسهم في تحقيق السلام والأمن والاستقرار لجميع العالم”.

ويرى الباحث في علم الاجتماع السياسي، أستاذ الصحة النفسية، علي بلدو، في حديثٍ لـ”العربي الجديد”، أن “الإرهاب عادة يتحاشاه الجميع، تحديداً السياسيين، في ظلّ المحاصصة والصراعات الإثنية والثقافية والجغرافية التي نراها في السودان والعالم”. ويوضح أنه “بالتالي، في ظل هذا الاستقطاب الحادّ، تكون هنالك دوافع نفسية عدة للاستفادة مما حدث في فرنسا، من أجل نفي أو إثبات حقائق معيّنة وتوجيه رسائل نوعية للحكومات والمنظمات والمواطنين”.

ويضيف أنه “تندرج في هذه الدوافع محاولات الإنكار والتبرؤ مما حدث، والظهور بمظهر المنفعل والغاضب، التي تكثر لدى التيارات الإسلامية كظاهرة مضادة للإسلاموفوبيا. ويبرز في هذه الناحية أحزاب الإسلام السياسي، وحتى بعض الجماعات المعتدلة، أو ذات الميول المتطرفة إلى حدّ ما”.

ويشير إلى أن “الديمقراطيين والليبراليين واليساريين، ومن يدور في فلكهم من وطنيين وتقدميين، يعمدون إلى استغلال الحدث لإلصاق الإرهاب والعنف والدموية بخصومهم من الاسلام السياسي، وكسب تعاطف وودّ الحكومات الغربية. وذلك من أجل توفير الدعم المطلوب والمساندة والمؤازرة في المحافل الدولية، وتبرير ما يقومون به من تحرّكات عبر الأذرع العسكرية، باعتبارها وقاية أو ضربات استباقية لأنظمة جائرة، تُفرّخ مثل هؤلاء الانتحاريين”.

ويُردف: “إن فرنسا مهمة كدولة محورية، كانت تحتلّ أجزاءً واسعة من العالم العربي والأفريقي، فضلاً عن أنها عضو دائم في مجلس الأمن وتُعدّ من أقوى الداعمين للأحزاب والمنظمات، وتستضيف من وقت لآخر، المعارضين السودانيين، ما يجعلها خاصة للحكومة والمعارضة على حدّ سواء

العربي الجديد