يوسف عبد المنان

اعترافات أزرق


الاعترافات التي جاءت على لسان “أزرق زكريا خريف” أحد أبرز قيادات المعارضة في التجمع الوطني الديمقراطي الذين (صاغوا) ميثاق أسمرا للقرارات المصيرية، جاءت الاعترافات في وقتها والرجل الذي ظل في خندق المعارضة لـ25 عاماً ينبغي أن يصغى إليه الناس.. وحينما كشف “أزرق زكريا” بشجاعة الغطاء عن أسباب عودته ومعه ثلة من قيادات المعارضة في منتدى اللواء “الصافي النور” يوم (السبت) الماضي، طلب “أزرق زكريا” من الصحافيين اعتبار حديثه لأغراض التنوير المعرفي فقط، ولكن الرجل اختار (ليلية الاثنين) أن يطلق الدخان الذي تراكم في صدره منذ سنوات طويلة في لقاء مفتوح تحدث فيه “أزرق زكريا” بفندق (فانسيا) بالخرطوم، كما تحدث آخرون من القيادات السياسية والتنفيذية، وجاءت اعترافات “أزرق زكريا خريف” القيادي في الحزب القومي ورئيس اللجنة العليا لمؤتمر الحوار النوبي وعضو مؤتمر الحوار الوطني، جاءت صادمة للجميع.
وقال في الاعتراف الأول إن الحكومة الحالية لا تستطيع (الحركة الشعبية) إسقاطها كما تريد وتشتهي، لأن الحركة لا تملك القدرة على ذلك الفعل، وقد عجز الجنوبيون من قبل ومعهم النوبة من خلال الكفاح المسلح المسنود بـ(قوى التجمع الوطني الديمقراطي) في إسقاط الحكومة، وقد حظيت المعارضة حينذاك بدعم إقليمي ودولي غير مسبوق.
الاعتراف الثاني على لسان “أزرق زكريا” أن الحركة الشعبية الحالية يسيطر عليها التيار الشيوعي يوظفها لخدمة معركته مع الإسلاميين، ويجعل من أبناء النوبة وقوداً لمعركة ليست معركتهم وحرباً ليست حربهم وأجندة غامضة لا علاقة لها بإنسان النوبة في الجبال، ومثلما استخدام الجنوبيون النوبة مطية لتحقيق أهدافهم وخاضوا بهم حربهم حتى نالت دولتهم حق تقرير مصيرها.. ركب ظهر النوبة الحزب الشيوعي وبقية قوى اليسار و”ياسر عرمان” لتحقيق أهدافهم.
الاعتراف الثالث أن الصراع الذي يدور الآن هو بين المشروع الإسلامي الحضاري والمشروع اليساري العلماني، وكلاهما مشروعان لا يعبران عن النوبة في شيء، ولا ينبغي لهم القتال من أجل سيادة أي من المشروعين.. ولذلك حدث تململ في أوساط المقاتلين من أبناء النوبة في صف الحركة الشعبية وحالة جفوة بين المؤتمر الوطني وأبناء النوبة.
والاعتراف الرابع أن النوبة ليسوا قبيلة واحدة، بل هم مجموعة سكانية لا يجمعها إلا الدين الإسلامي واللغة العربية التي تمثل الوسيط الأقوى الوحيد بين قبائل النوبة وحتى الدين لا يجمع كل النوبة، لأن هناك مسيحيين ولا دينيين.. ومن المستحيل أن يتفق كل النوبة إلا على حد أدنى.
ولتلك الأسباب يقول “أزرق زكريا” إن المجموعة التي عادت للمشاركة في الحوار الوطني بقناعة تامة ورغبة في التغيير، تعتزم المضي قدماً في الحوار الوطني باعتباره الخيار الوحيد لأهل السودان من أجل تجاوز الواقع المرير الذي تعيشه البلاد، وفي ذات الوقت العمل على عقد مؤتمر الحوار (النوبي النوبي) من أجل توحيد الصف.
المشروع اليساري الذي تتأبطه الحركة الشعبية وتسعى لفرضه بالقوة على أبناء جبال النوبة ومؤتمر الحوار النوبي هو خطوة أولى لعقد مؤتمر موسع لكل مكونات جنوب كردفان ليقرر المؤتمر في القضايا السياسية الراهنة، ولكن مؤتمر الحوار النوبي النوبي تمليه ضرورات مواجهة مثقفي القبيلة الرافضين للحرب، إخوتهم الذين خدعتهم الحركة الشعبية بالشعارات وحملتهم على القتال من أجل مشروع لا يمثل النوبة، وقد وجد خطاب “أزرق زكريا” و”أمين بشير فلين” صدى واسعاً في الداخل، وجمعت اللقاءات التي عقدتها المجموعة أطيافاً سياسية متعددة من أبناء النوبة في الداخل وقد تعلقت آمال بعضهم بالتمرد.. واصطف آخرون في صف الوطني، ولكن جميعهم يتوقون لعودة السلام لجبال النوبة التي يتمسك إنسانها بالأرض والحجر.. الذي قال “آدم جمال” إن شعب المنطقة قد انحدر إليه مرة أخرى وعاد الزمان القهري لقرون عديدة خلت، وأصبح أبناء النوبة يعيشون في الكهوف بسبب الحرب وقاذفات اللهب التي تجعل الإنسان والحيوان (يتبول) لا إرادياً حينما يسمع صوت طائرة (الانتنوف) تحلق في سماء الجبال، مطالباً بإنقاذ شعب النوبة من واقع بائس جداً بسبب التمرد الذي أشعل الحرب دون أسباب مقنعة.