الصادق الرزيقي

خدعة آلية أمبيكي!!


> منذ البداية ما كان للحكومة أن تتورط في موقف كالذي حدث في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، حيث تعمدت الوساطة الإفريقية التي يقودها ثامبو أمبيكي، الجمع بين ملفين وقضيتين منفصلتين تماماً، هما المفاوضات حول قضايا المنطقتين جنوب كردفان والنيل الأزرق، وقضية دارفور المختلفة تماماً في مساراتها وطرق حلها وظروفها عن رفيقتها الأخرى.
> الحكومة في يدها حجة قوية لن تتناطح فيها عنزان أو يتجادل حولها خصمان، وهي أن وثيقة الدوحة التي دعمها المجتمع الدولي والجوار الإقليمي، وكانت تحت رعاية الاتحاد الإفريقي والجامعة العربية كمنظمتين إقليميتين، لا يمكن تجاوزهما وفتح تفاوض جديد حول الوضع في دارفور.. فليس من المنطق أو المقبول أن تذهب الحكومة إلى أديس أبابا، وهي لا تعلم أن السيد ثامبو أمبيكي وبقية فريق الوساطة قد صنعوا فخاً للحكومة ووفدها، وفطن وفد الدكتور أمين حسن عمر، المعني بقضية دارفور إلى الربط العضوي الذي فعلته الوساطة للقضيتين، فقرر مقاطعة الجلسة الافتتاحية للتفاوض يوم الخميس أول من أمس، ودار جدل في أروقة الوساطة واتصالات دولية وإقليمية كثيفة حول هذا الموضوع لم تحسم بعد.
> مهما كانت الأسباب بجانب الإقرار بخطئها الفادح، فعلى الحكومة ألا تقبل بهذا الوضع والكيفية التي يراد بها إقحام قضية دارفور بهذا الشكل في التفاوض، وقد كانت الحركة الشعبية قطاع الشمال في كل الجولات التسع السابقة، تسعى بكل ما أوتيت من قوة واتصالات وسند خارجي، لربط قضية المنطقتين بقضايا مناطق أخرى في السودان وهي دارفور ومشروع الجزيرة ومتضرري السدود وشمال كردفان والشرق، ويومها رفضت الحكومة رفضاً قاطعاً، وكان ذلك من أهم الأسباب التي أدت إلى تعليق المفاوضات جولة إثر جولة.
> إذا كانت الحكومة ذهبت بملف دارفور إلى جولة التفاوض الحالية بغرض الاتفاق فقط على وقف إطلاق النار وتوقيع اتفاقية حول العدائيات، فلا ضير في ذلك شريطة ألا يتضمن ترتيبات أمنية وعسكرية كالمنصوص عليها في وثيقة الدوحة، فلا مكان لاتفاق جديد يفتح الوثيقة مرة أخرى للحديث عن قسمة السلطة والثروة وقضايا الإقليم ودارفور. فالسيد مني أركو مناوي الذي وصل إلى مقر المفاوضات ممثلاً لحركته بجانب حركة العدل والمساواة، هرب فاراً من السودان عندما عجز عن التوافق مع الحكومة في الاتفاقية التي وُقعت مع حركته في العاصمة النيجيرية أبوجا في عام 2006م، وحتى خروجه من السودان لم يستطع رغم الإمكانات التي توفرت له والمناخ الداخلي والإقليمي والدولي المساند لتلك الاتفاقية، لم يقدم شيئاً لمجتمع دارفور ولم يكن جاداً في تطبيق ما اتفق عليه أو حث الحكومة على إتمام ما بدأ تنفيذه، وسبب فشله أنه وحركته لم يكونا مؤهلين ليكونا شريكين في عملية سلام دارفور.
> هذا الربط القسري الذي فعلته الوساطة الإفريقية وبدهاء وخبث شديدين، تستفيد منه الحركة الشعبية قطاع الشمال لتعقيد العملية التفاوضية طمعاً في تحقيق مكاسب أكبر في حال تقدم المفاوضات، وهذا يشبه إصرار جون قرنق في مفاوضات نيفاشا على ربط التفاوض يومئذٍ بقضايا المناطق الثلاث «جنوب كردفان، النيل الأزرق وأبيي». وقد كان له ذلك، بعد موافقة وفد الحكومة المفاوض، وهي الورطة التي تورطنا فيها حتى اليوم.
> نفس اللعبة تمارسها الوساطة بالتنسيق مع قوى دولية وإقليمية تحرك خيوط اللعبة كلها في السودان، فمطالبة قطاع الشمال بمناقشة كل القضايا ثم الخداع الذي مارسته آلية السيد ثامبو أمبيكي، تكشف بجلاء حجم المؤامرة التي تُحاك في أروقة التفاوض. فإن قبلت الحكومة وأذعن وفدها وعاد إلى الجلسات المختلطة ووافق على مسار تفاوضي متفرع عن قضية المنطقتين ويرتبط بها، فإن وثيقة الدوحة ستصبح أثراً بعد عين، وعلى حكومتنا أن «تبلها وتشرب ماءها»، لأنه من غير المقبول صناعة اتفاقية جديدة تجُب ما قبلها من الناحية العملية.
> القرار الصحيح هنا، أن تمضي مفاوضات المنطقتين، ويعود وفد الحكومة لمفاوضات دارفور إلى الخرطوم وإغلاق الباب أمام أية محاولة لإيجاد بديل لوثيقة الدوحة، مع الترحيب بأي تفاهم أو اتفاق يوقف إطلاق النار والعدائيات، وهناك فرق كبير بين هذا وذاك.