الطاهر ساتي

نهج الإفساد ..!!


:: البرلمان يوجه الأجهزة التنفيذية باستيراد القمح – بدلا من الدقيق – للاستفادة من مخلفاته في علف الحيوان ولتغطية الفجوة في المراعي والأعلاف ..نعم، أمطار هذا العام كانت دون المعدل المعتاد، فتأثرت المراعي وإرتفعت أسعار الأعلاف، وقد يتأثر الجميع بتكاليف الإنتاج الحيواني و قد تحدث إحتكاكات ما بين المزارعين والرعاة في بعض مناطق السودان..فالتوجيه البرلماني باستيراد القمح لتشغيل المطاحن وإنتاج الأعلاف (توجيه صحيح)، ولكن الأصح هو التوجيه بإنتاج القمح – ولو حجم الإستهلاك – بدلا عن إستيراده لينعم المزارع والأنعام والناس والبلد بخير الإنتاج ..!!
:: ومن البشريات التي تناولتها صحف الأسبوع الفائت، تجربة الشراكة المرتقبة – في الموسم القادم – بين شركة دال الغذائية وبعض المزراعين في مشروع الجزيرة لإنتاج الذرة والفول في بعض مساحات المشروع بالقطاع الشمالي..والفكرة – كما لخصها و بشِر بها الأخ أحمد المصطفى إبراهيم بالصيحة- تنفذ الشركة كل عمليات تحضير الأرض وإستيراد الأسمدة والتقاوي المجازة علمياً ثم الإشراف والحصاد، وما على المزارع إلا النظافة و الري والرعاية لحين الحصاد..ثم تشتري الشركة المحصولين بأسعار السوق ..!!
:: مثل هذه الشراكة تستحق دعم الدولة وتشجيعها..فالحكومة – كما تكشف تجارب مصارفها -عاجزة عن تمويل عمليات الإنتاج (كما يجب)..وبضعف التمويل أو بالتأخير أو ببعض أوجه الفساد التي تصاحب بعض مراحل التمويل، لا يحصد المزارع والناس والبلد في نهاية الموسم إلا العطش أو المبيد الفاسد أو التقاوى المضروبة أو القليل من الإنتاج..ثم تكشف تجارب المصارف الحكومية عجزها عن إستراد مبالغ التمويل، فالإبتزاز السياسي أو بفشل الموسم يخسر الشعب (التمويل والعائد) .. ولكن القطاع الخاص قادر على حماية رؤوس أمواله بالتحضير المثالي للموسم ثم قادر على تحقيق الأرباح – لرؤوس الأموال والمزارع – بعمليات الإشراف والمتابعة ..!!
:: وبجانب شركة دال وتجربتها المرتقبة، على إدارة مشروع الجزيرة – وكل مشاريع السودان الأخرى- فتح أبواب الشراكة لكل شركات القطاع الخاص لخلق شراكات ذكية وذات جدوى للمزارع والبلد .. وفي خضم معركة ذات الدقيق، تساءلت ذات زاوية : لماذا السجال حول الإستيراد وليس الإنتاج والتصدير؟.. فالإنتاج لايُكلف الشركات الكبرى، وهذا تبرير مراد به ترسيخ ثقافة الإستيراد وقتل روح الإنتاج وعزيمة التصدير.. وعلى سبيل المثال، في العام 1991، عندما جاء البروف أحمد علي قنيف – أستاذ الزراعة بجامعة الخرطوم – وزيراً إلى وزارة الزراعة، أنتجت الحكومة – وليس القطاع الخاص – ما يكفي السودان إستهلاكاً من مشروع الجزيرة ومشاريع أخرى..!!
:: نعم لم يكن إستهلاكنا من القمح – في عام الإكتفاء الذاتي – بذات حجم إستهلاكنا اليوم..لقد تضاعف حجم الإستهلاك أضعافاً، ولكن المؤسف أن الإرادة التي حققت الإكتفاء الذاتي – في عهد قنيف – لم تمضي قدماً في تطيبق التجربة وتطويرها – بحيث يواكب الإنتاج إرتفاع معدل الإستهلاك – بواسطة شركات القطاع الخاص.. بل، بلغت تلك الإرادة من الوهن والفشل والإرتماء في حضن شركات الإستيراد لحد العجز عن إنتاج نصف حجم الإستهلاك من الغذاء الرئيسي..فبدلا عن دعم الشركات لصالح الإنتاج والتصدير، كان يتم دعمها لصالح الإستيراد..وهذا النهج الغريب هو من أفسد القطاع الخاص في السودان بحيث يكون ( سمسار فقط لا غير)..!!