مقالات متنوعة

بدرالدين حسن علي : ثلاث شخصيات


عنوان هذه المقالة ” ثلاث شحصيات تبحث عن مؤلف ” لا علاقة له بمسرحية الكاتب المسرحي الإيطالي لويجي بيرانديللو ” ست شخصيات تبحث عن مؤلف “، فهذه تمزج بين الخيال والواقع ، بينما أنا أكتب عن حقائق عشتها إبان إقامتي في الكويت ل 12 عاما ، ولي فيها ذكريات لا تنسى أبدا ، وكونت الكثير جدا من العلاقات الإجتماعية مع عدد كبير من الجنسيات المختلفة ، إقتربت كثيرا من ثلاثة أساتذة كانت لهم تأثيرات كبيرة على شخصيتي ، أولهم وبلا مجاملة الدكتور السوداني مصطفى خوجلي ، خريج كلية العلوم بجامعة الخرطوم 1971 ، وكان أستاذا بجامعة الكويت ورئيس كلية طب المجتمع ورئيس دائرة طب العائلة بالجامعة الأمريكية في بيروت ورئيس المجلس العالمي العربي لطب العائلة وطب المجتمع ، الحائز على وسام الأرز الوطني من رئيس الجمهورية اللبنانية أميل لحود ، وكان إلى جانب ذلك سياسيا محنكا يمتلك الكثير جدا من المهارات والقدرات الهائلة في التعامل مع البشر من كافة
الإتجاهات ، الدكتور مصطفى خوجلي يساري وعلى قمة فرع حزب يساري في دولة غنية رأسمالية تحكمها أسرة من الأمراء والشيوخ ، وهذا لم يمنعه من مناصرة الفقراء
والكادحين ، والدفاع العاقل عن الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان ، مثقف جدا وبسيط جدا ، وجبته المفضلة طماطماية وبصلة مع شوية شطة وملح وليمون وأسألوا حسونة الناطق ، لم أره ولا مرة واحدة متقنزحا أو متعاليا ، ورغم ما يمتلك من علم وإحاطة بشتى ضروب المعرفة ، ولكنه بعيدا جدا من الشعارات الطنانة الزائفة ، ديمقراطي حتى النخاع ، ذكي ولماح وحبوب ،تحس وأنت تتحدث إليه أنك أستاذ ولكنه أستاذك غصبا عنك ! في كل مرة ألتقيه أحس أنني لست في الكويت ، كان ينقلني دوما إلى” زقلونا “لا تملك إلا أن
تحترمه ، نوع البشر الذي إذا قال لك أرمي نفسك من الشباك لما ترددت وهو قطعا لا يفعل ،وهو رغم سنوات عمره الطويلة ونجاته من حبل المشنقة يشبه لي عبدالخالق محجوب وهو أيضا مثله يضحك 25 ساعة في اليوم ، توثقت علاقتي به وبزوجته ماجدة فتوح، وهي أيضا تشبهه ، عرفت مؤخرا أن إبنه مامون هنا في كندا وربما تخرج وقطعا يشبههما ، كنت أحيانا أزوره في شقته نمارس لعبة الشطرنج ورغم ”
حرفنتي ” كان يهزمني ، كان عنده ” كش ملك قاتل ” ولكنه نوع القتل الناعم ، زوجتي كانت تحسدني على معرفتي به وتعبر عن فرحها الغامر عندما تعرف أنني كنت معه ، لأنها كانت ملتزمة جدا عكسي
تماما ، أحب ” القشمرة” بلغة الكويتيين ، وكانت تقول لي : يا رب مصطفى يديك شويه من صفاتو !!! وعندما فارقتنا في القاهرة وجاء كبار القادة رثاها التجاني الطيب بابكر بدموع جعلتني أدمع وما زلت !!! نعم أدمع على فراقها وفراق مصطفى وغير مصطفى ، ما أطول عليكم مصطفى على خلق عظيم ومواقف واضحة جدا واجتماعي رهيب جدا ، حتى أعداءه في أحزاب اليمين والوسط يشهدون له بنبوغه وتفرده ، وقد ظللت دائما أسأل عنه وأتصيد أخباره . الرجل الثاني كان رئيس تحرير صحيفة الوطن جاسم
المطوع ، وهي الصحيفة التي عملت فيها كل سنوات وجودي في الكويت وحتى مراسلا لها من القاهرة ، وزاملت كبار الصحفيين فيها أمثال محمد مساعد الصالح ، محمود المراغي ،د. أحمد الربعي ، غانم النجار ، فؤاد الهاشم ، مروان وغيرهم ، بدأت متعاونا ثم محررا لصفحة السودان وعمل وعمال الأسبوعيتين ، جاسم المطوع كان يعاملني بتهذيب وإحترام ، لم يحدث أن رفض لي طلبا ، وكان دائم الإتصال بي وسؤالي عن كل صغيرة
وكبيرة ، إستجاب لجميع طلباتي بالصحيفة ، لدرجة أصبحت الصحفي المدلل يضع لي حساب كبير حتى زملائي من الكويتيين ، وقد تمكنت خلال عملي بصحيفة” الوطن ” من تعيين بعض السودانيين في الصحيفة كمتعاونين أمثال حسن طه وفتحي الضو وهما الآن من أعز الأصدقاء ، ولكن هناك محطتان مهمتان لا بد من ذكرهما عنه ، الأولى أعطاني مالا كثيرا طالبا توزيعه على الفقراء والمساكين في السودان كنت أسلمه
لوالدي – رحمة الله عليه – وكان يعرف أنه من جاسم
المطوع ، وقد حدثته في حياته عن الرجال الذين أذكرهم في هذا المقال ، والمحطة الثانية سلمني جهاز فاكس مع ملحقاته لتغطية إنتخابات الديمقراطية الثانية في الثمانينات ، وضعته في مكتب الراحل المقيم الأستاذ التجاني الطيب بابكر وكان رئيس التحرير وتعلمت منه الكثير ، ولذا فإن هذا الرجل أقصد الأستاذ التجاني الطيب لن أنساه مدى حياتي كما لن أنسى الرجل الطيب المثقف جاسم المطوع ووقوفه معي بشهامة ونبل عند زيارته للقاهرة وتلبية دعوتي له في شقتي والإنطباع الجيد الذي تركه لدى زوجتي وكريمتي .
أما الرجل الثالث – وهنا بيت القصيد – فهو الرجل الأسطورة المتفرد
عبدالرحمن حمود السميط أو خادم فقراء إفريقيا ، والواقع أن ما دفعني للكتابة عنه هو موضوع إنساني من واقع الحياة وتجاربها والسنوات الرائعة التي عشتها في الكويت ، كان
جارنا ، وزوجتي كانت صديقة لزوجته نوريه محمد البداح ” أم صهيب” ، وكذلك أفراد أسرته أسماء ونسيبة وعبدالله ، لن أنساه ولن أنسى أسرته الرائعة ، إن لذة الخير وقضاء حوائج الناس شيء يستحق أن نقف ساكنين أمامه، أن تسعى لنشر ما هو صواب في نظرك، أن تدفع حياتك ثمناً لما تؤمن به بلا أي إشفاق او التفات لإغراءات العالم من حولك، أن تكون شمعة تحترق لتخلق النور في حياه الآخرين، قضية تستحق أن تُدرّس على مر العصور، وثقافة يجب أن نُرسخها في منهج التعامل بين البشر، ذلكم باختصار شديد هو الرجل الفاخر عبدالرحمن السميط .
قرأت عنه كثيرا جدا وأحببته من كل قلبي ، كما أحبه والدي من كل قلبه .

عرفته وقرأت عنه زمان وحاليا ، داعية كويتي ومؤسس جمعية العون المباشر، أسلم على يديه أكثر من 11 مليون شخص في إفريقيا بعد أن قضى أكثر من 29 سنة ينشر الإسلام في القارة السمراء قبل أن يصبح ناشطاً في العمل الخيري.
كان طبيبا متخصصاً في الأمراض الباطنية والجهاز الهضمي، حيث تخرج في جامعة بغداد بعد أن حصل على بكالوريوس الطب والجراحة، ثم حصل على دبلوم أمراض مناطق حارة من جامعة ليفربول، واستكمل دراساته العليا في جامعة ماكجل الكندية متخصصاً في الأمراض الباطنية والجهاز الهضمي.
نال السميط عدداً من الأوسمة والجوائز والدروع والشهادات التقديرية مكافأة له على جهوده في الأعمال الخيرية.
تعرض في إفريقيا لمحاولات قتل مرات عديدة من قبل المليشيات المسلحة بسبب حضوره الطاغي في أوساط الفقراء والمحتاجين، بالإضافة إلى مشقة ما لاقاه في إفريقيا، تعرض في حياته لمحن السجون وكان أقساها أسره على يد البعثيين أيام الغزو العراقي.
قضى ربع قرن في إفريقيا، وكان يأتي للكويت فقط للزيارة أو العلاج، كما مارس الدعوة في كل من الأسكيمو والعراق، كانت سلسلة رحلاته في أدغال إفريقيا وأهوال التنقل في غاباتها محفوفة بالمخاطر، وذلك بتعريض نفسه للخطر لأجل أن يحمل السلام والغوث لإفريقيا بيد فيها رغيف ويد فيها مصباح نور وكتاب، وسلاحه المادي جسده المثخن بالضغط والسكر والجلطات، وأما سلاحه هو الدفاع عن المستضعفين وقضاء حوائجهم.
استمر السميط يعمل في الدعوة بعد أن طعن في السن وثقلت حركته وأقدامه رغم إصابته بالسكر وبآلام في قدمه وظهره، وفي أواخر سنواته تعقدت حالته الصحية وأخذ يعاني من توقف في وظائف الكلى واستمر على تلك الحال حتى توفي يوم الخميس 15 أغسطس 2013، لو كان حيا لقال له د. الشفيع خضر أمشي كل يوم من الجهرا للصليبخات ! جاءني خبر وفاته كالصاعقة ، فبكيته بحرقة ، رغم كبر سنه .
شارك السميط في تأسيس ورئاسة جمعية الأطباء المسلمين في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا، وهو مؤسس في المجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة، ساهم في تأسيس فروع لجمعية الطلبة المسلمين في مونتريال وشيربروك وكيبيك بكندا ولجنة مسلمي إفريقيا وهي أول مؤسسة إسلامية متخصصة.
وكذلك لجنة الإغاثة الكويتية التي ساهمت بانقاذ أكثر من 320 ألف مسلم من الجوع والموت في السودان وموزمبيق وكينيا والصومال وجيبوتي خلال مجاعة عام 1984. وتولى أيضاً منصب أمين عام لجنة مسلمي إفريقيا منذ تأسيسها التي أصبحت أكبر منظمة عربية إسلامية عاملة في إفريقيا.
إنها الثقافة والإنسانية تمشي على رجلين، لهما لذة لا يعرفها ويذوقها إلا من أدرك معناهما ، وللعطاء سعادة لا ينالها إلا من وهب حياته لمن حوله واستطاع أن يجمع أهدافه وتحمل مشقة السعي حتى يدرك النجاح .
لله درك يا مصطفى ، لله درك يا جاسم ، لله درك يا
عبدالرحمن ، هل تسمحوا لي بهذه الخلطة : مصطفى جاسم السميط ؟