تحقيقات وتقارير

خلافـات المعارضـة.. مصالح شخصيـة أم اختـلاف رؤى؟


في أية دولة يوجد أفراد معارضون للنظام الحاكم، وهذا أمر طبيعي نتيجة تناقضات مختلفة بين السلطة الحاكمة وبعض الأفراد، وتستند قاعدة المعارضة على ركيزة رئيسة هي الاختلاف، فما دام الاختلاف وارداً وحاضراً فمعنى ذلك وجود معارضة، غير انه ليس من الممكن ان أختلف مع الآخر على الدوام ولا اتفق معه كذلك على الدوام، بل أختلف وأتفق، والنتيجة الوصول الى منتصف الطريق متقابلين معاً بدلاً من أن يذهب كل واحد في اتجاه معاكس. البعض يقول ان وجود المعارضة امر ايجابي يدفع الحكومة الى تفادي ارتكاب الأخطاء والحرص أكثر وأكثر على المصلحة العامة، ويراه ايجابياً أيضاً لأنه يصحح ويراقب ويدفع دوما للمساءلة، ولأن سياسة الاجماع التام هي سياسة غير منطقية، وأن أية دولة ديمقراطية تحقق شرط التعددية السياسية تؤمن بوجود المعارضة فيها، لكن البعض الآخر يرى وجود المعارضة أمراً سلبياً يقوم على تفكيك الدولة وجعلها أكثر عرضةً للخطر الخارجي. وأزمة المعارضة السودانية تتمثل في عدم ثقة الشارع السوداني فيها وفي تشرذمها وعدم اتفاقها على أهداف محددة وعلى آليات لتحقيق تلك الأهداف، اما المعارضة المتولدة خارج الوطن «الجبهة الثورية» فأزمتها تتمثل في أنهم يؤمنون بأنه لن يصغي لهم أحد إلا عندما يقولوا شيئاً خاطئاً، ومن الأشياء الخاطئة في محاولة يائسة منهم حث الغرب على أن يصغي إليهم لينالوا الدعم، وخير مثال ما يحدث الآن من الثورية ازاء المفاوضات والحوار الوطني بالرغم من الضمانات المكفولة.
٭ معارضة المصالح
نجد أن المعارضة الواقعية تحدد مسبقاً موقفها من بعض التوقعات او المواقف المهمة، اذن ما هو موقف احزاب المعارضة من اسقاط النظام؟ في اشارة من الفريق حسن جبريل لـ «الإنتباهة» ماذا ستكون كلمة المعارضة عند اختلافهم في نقطة ما اي المواقف الوطنية، سيما الثابتة، هل ستكون كلمة واحدة تمثل جميع أطياف المعارضة الباهتة؟ من المؤكد أن كل فئة معارضة ستغني لليلاها وحسب مصالحها، وقال الفريق جبريل: أيتها الأحزاب أو المجموعات والتيارات التي تدعي المعارضة كيف لنا أن نقتنع بوجود معارضة فاعلة تصدر بياناً ذا مطالب تُطرح بطريقة خجولة ومواقف متذبذبة تتضح من خلال دعوة الرئيس كافة اركان المعارضة الداخلية والخارجية لتحكيم صوت العقل والجلوس في طاولة الحوار الوطني من اجل سودان موحد يسع الجميع دون قيد، ودائما ما نجد هناك خللاً ما يتسم به، لكن دعوة الحوار هذه سرعان ما اظهرت النوايا الحقيقية للمعارضة وصراعات المصالح دون مراعاة مصلحة السودان وما يكال له من مؤامرات ودسائس واستهداف خارجي، وسعت المعارضة الى تمكين وترسيخ ذلك من خلال مواقفهم غير الثابتة، وما تقوم بها غير مطلوب في هذه المرحلة الحساسة، ومن الخطأ تسميتهم معارضة وطرح أنفسهم قوى معارضة.
٭ تهيئة المناخ
الخبير في القانون الدستوري دكتور الشيخ مختار حاتم قال لـ «الإنتباهة»: «انقسمت مواقف القوى السياسية الفاعلة في الساحة تجاه الدعوة للحوار الوطني إلى أربع مجموعات متباينة، مع وجود أطراف يمكن أن تنتقل من مجموعة إلى أخرى لسبب أو لآخر، المجموعة الأولى هي الأحزاب المشاركة مع المؤتمر الوطني في الحكومة لسنوات، على رأسها الاتحادي الديمقراطي الأصل والاتحادي الديمقراطي المسجل، وحركة التحرير والعدالة الدارفورية التي وقعت اتفاقية الدوحة، ومؤتمر البجا ممثلاً لأهل الشرق.. فهذه المجموعة قبلت فوراً ودون شروط دعوة الحوار الوطني، اما المجموعة الثانية فهي أحزاب المعارضة الكبيرة التي قبلت الدعوة للحوار ولكن بشروط تؤدي إلى بناء الثقة وتهيئة المناخ، وأهم هذه الأحزاب الأمة القومي والمؤتمر الشعبي وحركة الإصلاح الآن ومنبر السلام العادل، وتشكل هذه الأحزاب أهم إضافة لحكومة المؤتمر الوطني القائمة، وهي المستهدفة بالحوار أكثر من غيرها، وخاصة حزب الأمة القومي أكبر الأحزاب السودانية قبل مجيء سلطة الإنقاذ، وتنادي هذه الأحزاب بدرجات متفاوتة»، وأضاف قائلاً: «اما المجموعة الثالثة فهي المعارضة اليسارية التي تضم الحزب الشيوعي والمؤتمر السوداني والبعث العربي الاشتراكي وحركة حق والحركة الاتحادية الوطنية والحزب الناصري الوحدوي، وهذه المجموعة لا ثقة لها في الحكومة وتعمل لإسقاطها بكل الطرق السلمية، ولا مانع لديها من التعاون في ذلك مع الحركات المسلحة، وتظن هذه الأحزاب أن الحكومة آيلة للسقوط في وقت قريب بسبب فشلها وفسادها والضائقة الاقتصادية التي يعاني منها الناس، وأن الحوار هو مجرد ذريعة لإطالة عمرها في السلطة لسنوات قادمة، ولا ينبغي للمعارضة أن تعطيها الفرصة، وتقبل المعارضة اليسارية مبدأ الحوار للخروج بالوطن من أزماته المتلاحقة» وأضاف قائلاً: «واخيراً المجموعة الرابعة وهي الجبهة الثورية التي تضم الحركات المسلحة في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق وحركة العدل والمساواة جناح حركة تحرير السودان، وحركة تحرير السودان والحركة الشعبية قطاع الشمال، بالاضافة الى حركات الشرق المسلحة، وتمثل هذه الحركات وجوداً قبلياً في مناطق دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق وشرق السودان، وهي مناطق تتميز بضعف الخدمات وليست لها مشاركة تذكر في السلطة، وتؤمن هذه الحركات بأن العمل العسكري هو السبيل الناجع لإسقاط حكومة الإنقاذ أو إجبارها على اقتسام السلطة والثروة بعدالة مع مناطقهم المتخلفة، ولكن هذه الحركات تعلم أنها تمثل شرائح قبلية وجهوية محدودة المكان والعدد، ولا بد لها من التواصل والتحالف مع القوى السياسية القومية حتى تتفادى تهمة العنصرية وتنجح في إسقاط الحكومة، ويكون لها حظ المشاركة في السلطة القومية». ومن خلال هذا التقسيم يشير د. مختار إلى أنه يتضح جلياً أن الكم الهائل من المعارضة دائماً نجدهم في حالة من الصراع والخلافات، وليس هناك اتفاق على شيء ثابت، والراسخ او الشيء الوحيد التي نلحظه هو المشاركة في السلطة بشتى الطرق، اي الغاية تبرر الوسيلة في سبيل تقسيم ما سموه «تقسيم الكيكة»، قائلاً: «للاسف معارضتنا ليست لها ثوابت وطنية، وليست لديهم رؤية واضحة، بقدر ما تتملكهم سمة المطامح والمصالح الشخصية كما اسلفت، بغية الوصول الى السلطة».
٭ أثر خلافات المعارضة في الحوار
يصعب في ظل خلافات المعارضة المضطربة الجزم بأن يسير هذا الحوار الوطني الجاري بين المجموعات السياسية والعسكرية المذكورة آنفاً، فقد يفضي الحوار الى نتائج ملموسة او مرضية بحجم التفاؤل الكبير لدى الشعب السوداني، الا إذا نجح التوافق التام بين القوى السياسية المعارضة في تحديد رؤية وطنية ثابتة بقدر معقول، وقد تمضي الأمور كما كانت عليه قبل الحوار من اضطراب سياسي ونزاعات عسكرية جزئية وانفلات أمني في مناطق الصراعات، في كل من كردفان ودارفور والنيل الازرق، وهكذا حال المعارضة، فهي خبيرة في صناعة ازمات البلاد، لذلك نجزم بأن تكون النتيجة وضعاً بين هذا وذاك، إذا غلب الاختلاف وعدم التوافق فيما بينهم دون التوصل الى حلول للثوابت الوطنية، وأحسب أن الخيار الأخير هو الراجح بقراءة الوضع الراهن الذي يسمح بقدر من التفاؤل الحذر.

الانتباهة