ضياء الدين بلال

احفظوا ماء وجوهكم!


تحدَّث إلينا لأكثر من ساعتين، حديثاً مُرتَّباً وجاذباً، مدعوماً بالأرقام والمقارنات والتوقعات.
وزير في مستهل الأربعينيات، يعرف الكثير، ولا يفاجئه سؤال؛ فهو حاضر الإجابة، كامل التركيز، لا تُفلت منه عبارة على سبيل الزلل، ولا تنحرف له جملة عن المقصد المُراد.
كُنَّا مجموعة من الصحافيين، من مختلف أنحاء العالم، نستمع قبل أيام لوزير الطاقة الإماراتي سُهيل بن محمد المزروعي، بإحدى قاعات فندق فيرمونت بأبي ظبي.
-2-
كان الصحفيون يسألون عن تراجع أسعار النفط إلى أقل من (40) دولاراً، وما تأثير ذلك على الاقتصاد الإماراتي، وكيف بمقدوره امتصاص صدمات تراجع الأسعار النفطية؟!
الوزير الشاب، قال إن الاستراتيجية الاقتصادية في الإمارات ظلَّت قائمة على استثمار عوائد النفط في مشاريع استثمارية أخرى ذات عائد كبير بحسبان أن النفط سلعة غير آمنة وعرضة للتقلبات وقابلة للنفاد .
وقال إن ميزانية 2015 لدولة الإمارات كانت أربعمائة مليار دولار متنوعة المصادر: النفط واستثمارات أخرى ظلت تتصاعد عوائدها في دعم ميزانية الدولة .
ضحك الوزير الشاب، وهو يقول لنا: قد يأتي يوم ليس بعيداً تحتفل فيه دولتهم بتصدير آخر برميل نفط للسوق العالمي، دون أن يؤثر ذلك على الوضع الاقتصادي العام للدولة.
-2-
وأنا أستمع للوزير المزروعي تكالبت عليّ التساؤلات: لماذا فشلنا في الاستفادة من عوائد النفط من عام 2000 إلى 2011 في خلق بدائل اقتصادية تحقق القدر المعقول من الاستقرار، بقدر يجنبنا ما نحن عليه الآن من عوز وفقر في الموارد يدفع الاقتصاديين في بلادنا للبحث عن الحلول السهلة لهم والعسيرة علينا؛ مثل رفع الدعم عن السلع الضرورية؟
لماذا عجز اقتصادنا عن الصمود لأكثر من عام بعد انفصال الجنوب؟!
ولماذا سمح مفاوضونا في نيفاشا بأن يخرج البترول من دورة اقتصاد الدولة الأم، دون مراعاة وضعها الصحي جراء العملية الجراحية التي ستقطع ثلث البلاد؟!
-3-
لا أعرف كيف نام وزير المالية بدر الدين محمود ليلة أمس؛ وهو يتعرَّض لوابل من القذائف يأتي إليه من كل الجهات حتى من الأسلحة الصديقة رداً على التصريحات التي أدلى بها في البرلمان، وهي تصريحات تفتقد للحكمة والكياسة والحساسية السياسية والإعلامية؟
الوزير كان يحمي نفسه بالصمت، مستفيداً من تجربة سلفه في الوزارة الذي بدأ خطابه بدعوة المواطنين لأكل (الكِسْرَة)، وانتهى به المطاف لمن عليهم بأكل البيتزا!
-4-
ما أغضب الجميع، أن الوزير الهُمام لم يكتفِ بإطلاق بشاراته السيئة برفع الدعم عن السلع الضرورية في العام القادم؛ ولكنه أتبع ذلك بعتاب للمواطنين يصل لمرحلة التقريع ولا يبلغ حدود الإساءة، كما حاول أن يُصوِّر البعض.
كان الأوْلى للوزير، أن يدَّخر جهده ووقته لإيجاد تبريرات تحفظ ماء وجه وزارته التي لم تستطع أن تُوقف أو تحدَّ من التدهور الاقتصادي المُريع الذي جعل الجنيه السوداني لا يقدر على منافسة حتى الشلن الصومالي.
نعم لم تنجح الكتيبة الاقتصادية من المصرفيين في إضافة موارد جديدة تغذي خزانة الدولة، باستثناء المجهود المقدر في التحصيل الإلكتروني، وهو لا يزال قيد الاختبار، ولم يحسم معركته بعد مع القوات السرية للدولة العميقة.
-5-
لم يكن الوزير مُطالباً بتقديم استقالته، كما دعاه البعض، ولكن في الحد الأدنى كان عليه الاعتراف بالقصور والعجز، لا إلقاء كرة الطين في ملعب الجماهير والاكتفاء بغسل اليدين بالماء الدافئ!
صحيح أن هناك كثيراً من الظواهر والعادات السيئة في المجتمع السوداني، التي تحدُّ من التطور والرقيِّ الحضاري والتقدم الاقتصادي مثله وكثير من المجتمعات المشابهة، ولكن يظل دور قيادات الدولة استنهاض المجتمع ووضع الخطط والبرامج والنظم التي تُعزِّز الإيجابيات وتُحاصر السلبيات بالأعمال لا الأقوال، وبالقدوة لا القوانين، وبالموعظة لا الغلظة، سعادة وزير بيت المال.