سعد الدين إبراهيم

حكاية فتحي الهوهاو


بينما كان رجل أربعيني نحيف البنية كثيف الشعر مهمل الثياب يمضي حدانا في الطريق، وهو ينظر إلى اللا شيء.. همس الحاج عبد الودود رفيقي في المشوار إلى شارع الظلط حيث المركبات العامة ده صاحبك (فتحي الهوهاو)، سألت الهوهاو دي لقب، فقال لي: دي حكاية طويلة دايرة قعدة، لما نظرت إلى شجرة النيم في المحطة وتحتها (ست شاي) كاربة إذ تحلق حولها عمال وشيوخ وبعض الحزانى بطريقة أو بأخرى.. اقترحت عليه أن نجلس مع ست الشاي لنشرب شاياً منعنعاً ويحكي لي بمزاج واستمع إليه بمزاج، وحاج عبد الودود من ذلك الجيل الحكاي إذ تتلمذ على أحاجي الحبوبات حيث لا ملاهٍ ولا مسرات للأطفال في المساء سوى حجوة الحبوبة.. أها يا حاج حكاية فتحي الهوهاهو شنو؟
رشف عبد الودود آخر رشفة بهدوء وحرفنة إذ امتص الشاي من بين ثنايا النعناع القابع مخضراً في قعر الكوب لكنه يتطلع إلى الخروج بلا جدوى، وقال: شوف يا سيدي الأمانتي ليك فتحي ده كان متزوج في أمان الله، وكان موظف (علا مستفيد) شي بدلات، شي نثريات.. أها قاموا نقلوه لي قسم تاني.. ما عندو فيهو غير ماهيتو، وأنت عارف الماهية ممحوقة كيفن؟ أها شوية ضاقت عليهو بقى شوية مازي زمان، زوجتو ما قدرت تتوافق مع المتغيرات الجديدة، لأنو طلباتا أصبحت ما مجابة على الفور زي زمان، أها قول يا زول بقى ما قادر يسوي أي حاجة والمرة محاصراه بالنقة والنجيهة، بجانب حصار المدير الجديد بتاعو جنوا جيت الساعة كم، مرقت الساعة كم، تقول نحنه في روضة.. وده كلو كوم والغلاء الفجأة اجتاح كل شيء ده بقى محاصرو.. يعني بقى حصار من كل الاتجاهات.. أها في ذات يوم من الصباح الولية نجهتو.. عرس بت خالتي بعد بكرة دايرة توب، والشفع دايرين لبسات وحق الحنانة، وحق المواجبة وكمية من الحقوق.. لما نظر إليها دون أن ينبس بكلمة هددته قائلة: أسمع إنت كان معيشتنا غلبتك بمشي بيت أبوي، أبوي قادر يعيشني زي الملكة.
عندما استمرت في حديثها سمعها تهوهو، أخذ يسمع نباحاً متصلاً، كان يرى فكيها يتحركان، لكن المسموع نباح متصل.. ببراءة سألها، انتي هسع بتهوهوي مالك، فانفجرت ثائرة: بهوهو يعني أنا كلبة، استاهل أنا عشان استحملتك وقدرتك.. لكنه لا يستمع سوى إلى نباح.. خرج مهرولاً إلى المحطة، ركب الحافلة.. كاد أن يصطدم بشخص فدفره بعيداً بعنف صائحاً فيه: أنت ما بتشوف سكران إنت بايتة معاك، ولا أمكن مسطول، فاستحال صوت الرجل إلى نباح فسأل الرجل ببراءة: أنت زي البتهوهو ولا شنو؟ فأمسك الرجل بخناقه، أنا كلب يا ابن الـ… وهو لا يستمع سوى إلى النباح، والناس يبعدون عنق الرجل عن رقبة فتحي، الذي كان مندهشاً للنباح الذي يصدر من الرجل.
وصل إلى مكان عمله قالوا له: المدير عايزك سأل كم مرة أصلك أتأخرت.
دخل إلى المدير فصار يوبخه: أنت ما داير تحترم الزمن، أنت بتتسيب كتير، يعني لو غالبك الشغل قدم استقالتك ياخي لأنو… وتحول الصوت إلى نباح، حاول أن يبعد الفكرة لم يستطع إلا أن يسأل المدير: سيادتك أنت بتهوهو عديل كدة.. صاح.. فهاج المدير وماج، تقصد شنو؟ كمان جابت ليها إساءة، ولكنه لم يكن يستمع إلا إلى نباح متصل، أدهشه أن زملاءه جاءوا واقتادوه بعيداً وهو يسألهم السيد المدير بهوهو.. سعادتو بهوهو عديل.
عاد إلى المنزل تذكر أن زوجته قد تكون نفذت تهديدها.. فقال يشتري بعض الفاكهة لما سأل عن سعر البطيخ وجد السعر مغالياً فاحتج عليه بائع البطيخ، وانتو شبه بطيخ، وأخذ يطنطن ولكن فتحي سمعه نباحاً فسأله بحسن نية: أنت أكيد بتهوهو، دي هوهوة مش كدة؟
صاح سيد البطيخ وهاج وماج وكاد (فتحي) يفطس بين يديه لو لا تدخلات بعض المارة.
وجد المنزل خالياً لم يتحمل الوحدة وغياب ضجة أولاده فقرر الذهاب إلى بيت والد زوجته وإرجاعها، قابله والدها بسلام فاتر ثم صاح فيه: أسمع هنا أنحنه البت دي وكتين أديناك ليها كانت عينا مليانة وما جاتك كحيانة جاتك بي دهبا، وهدوما، وآنت ما عندك غير سجم الرماد تقوم في الآخر… وتحول صوته إلى نباح فتساءل في أدب، أنت برضو يا حاج بتهوهو؟
فصاح فيه وطرده شر طردة وهو لا يسمع سوى النباح من والد زوجته.
راج أمر الهوهوة التي حاصرت (فتحي) فأقنعوه بالذهاب لمقابلة الطبيب النفسي، وذهب إليه مجبراً فسأله أسئلة رآها بايخة جداً، فامتعض وسمع صوت الطبيب النفسي يتحول إلى نباح، فسأله، أنت بتهو.. وقبل أن يكمله تحول صوته ذاته إلى نباح، فأخذ يصيح: أنا ذاتي بهوهو، هو، هو، ومن اليوم داك سموه (فتحي الهوهاو).