مقالات متنوعة

منى عبد الفتاح : إرهاب من نوع آخر


لا تقلّ قضايا اختطاف الأطفال التي تنفذّها عصابات بدأت تتساقط في أيدي الشرطة والأجهزة الأمنية السعودية، عن قضايا الإرهاب التي تنفذها الجماعات المتطرفة بمختلف تسمياتها وانتماءاتها.
فالإرهاب لا دين له ولا وطن، وأيضا هذه الجرائم التي تنفذها عصابات لها جذور هويات عرقية ودينية ومن جنسيات مختلفة.
تمت الإشارة إلى قضايا اختطاف الأطفال على أنّ الهدف منها تجارة الأعضاء، وقد يكون ذلك صحيحا بشكل كبير، ولكن ينبغي ألّا تُستبعد جرائم الاتجار بالبشر كأحد هذه الأهداف، والتي تدر دخلا كبيرا لهذه العصابات الدولية.
والاتجار بالبشر قضية اجتماعية، اقتصادية ولكنها أخذت بُعدا سياسيا صارخا في الدول الأكثر نشاطا في هذه التجارة.
وربما آن الأوان لإعادة النظر في مقولة المفكر والسياسي والمؤرخ الفرنسي ألكسيس دي توكڤيل: «إنّ إلغاء تجارة الرقيق هو قرار لم يسبق له مثيل في تاريخ العالم، لن تجد في تاريخ البشرية أعظم من هذا الإنجاز».
لأنّ الوضع يكاد يعود إلى ما كان عليه قبل مقولة دي توكفيل المتفائلة عام 1801م والمتأثرة بتحريم تجارة الرقيق دوليا في عام 1792م.
وبحسب المنظمة الدولية لمناهضة العبودية فإنّ الاتجار بالبشر أو كما تسميه أدبيات السياسة بالعبودية المعاصرة أو رقّ القرن الحادي والعشرين، يتضمن نقل الأشخاص بواسطة العنف أو الخداع أو الإكراه بغرض العمل القسري أو العبودية أو الممارسات التي تشبه العبودية.
وقد لا يحتاج الاتجار في الأطفال إلى توفر هذه الظروف، فإنّ مجرد استغلالهم لأداء عمل ما يُعتبر نوعا من الاتجار حتى ولو لم يتم ممارسة أي عنف أو خداع أو إكراه معهم، لأنّ استغلالهم في حد ذاته يعتبر أحد أشكال الخداع.
وفي نهاية الأمر فإنّ التجار يستخدمون العنف والتهديد وأشكال الإكراه الأخرى لإجبار ضحاياهم على العمل ضد إرادتهم، وتقييد حريتهم في الحركة والعمل بدون أجر أو أجرٍ زهيد.
وبالرغم من قِدم نشاط الاتجار بالبشر إلّا أنّه في العصر الحالي يتزايد بشكل مريع نسبة للعائد المادي السريع الذي قامت الأمم المتحدة بتقديره بأنّه يحتل المركز الثالث من مصادر دخل الجريمة المنظمة بعد الاتجار بالمخدرات والأسلحة.
وتغذي الاتجار بالبشر عدة عوامل متشابكة مثل الفقر والحرمان وتدهور الحالة الاقتصادية والعطالة، والتهميش والتمييز ضد النساء، وعدم الاستقرار السياسي، وضعف القوانين التي تضع عقوبات غير رادعة على ممارسي التجارة مما يخلق مناخا لممارسة الجريمة المنظمة، وعدم توفر معلومات وإحصائيات دقيقة عن حجم المشكلة وضحاياها والشبكات التي تديرها نسبة لمناخ السرية الذي تتم فيه التجارة.
وتكمن أهمية المعلومات الدقيقة والإحصائيات في أنّه لا يمكن إدراك مأساة الاتجار بالبشر، أو محاربته، إلّا بالمعرفة الدقيقة لعدد الضحايا والظروف التي أدت إلى استغلالهم وكيف يمكن مساعدتهم أو إنقاذ من هم في نفس الظروف المشابهة من أن يصبحوا ضحايا جددا.
تنتهك التجارة بالبشر كل القيم الإنسانية والدينية، وتناقض كذلك العديد من المواثيق الدولية الخاصة بحقوق الطفل والمرأة وحقوق العمال المهاجرين وعمالة الأطفال، وتنافي كذلك بنود ميثاق الأمم المتحدة ضد الجريمة الدولية المنظمة لمنع وقمع ومعاقبة المتاجرين بالبشر، خاصة النساء والأطفال الصادر في ديسمبر 2003م.
وبينما تساعد هذه القوانين في حال تطبيقها وتجريم كل أشكال الاتجار بالبشر في تحقيق العدالة في المجتمع، تعمل بعض النشاطات الأخرى على إعاقة القوانين مثل عمل بعض المنظمات الإنسانية التي تحاول إنقاذ الضحايا بدفع فدية إلى التجار مقابل حريتهم، وبذلك يكون قد تم تخليص الضحايا، ولكن تشجع الأموال التي يجنيها التاجر لشراء ضحايا جدد.
وبهذا تكون قد ساعدت هذه المنظمات هؤلاء التجار بأن أعفتهم من العقاب بل كافأتهم بالفدية في الاستمرار في الحصول على ضحايا آخرين ضمن سلسلة استغلال للبشر بالخروج على القانون.