الصادق الرزيقي

بين تجربتين..


> تذوب التيارات العلمانية في الوطن مثل الشمع تحت وهج الديمقراطيات، ولا تحتملها، فتاريخ العلمانيين العرب ارتبط بالديكتاتوريات والأنظمة القمعية منذ أن سيطرت على البلدان العربية عقب خروج الاستعمار وتناسلت في الحكم، حتى جرفت جزء كبير منها رياح الربيع العربي، ولا تقوى تيارات العلمانيين على البقاء في هواء الديمقراطية الطلق، فإما أن تتآمر وتتحالف مع معدلات السلطة القديمة، أو تخادع الجماهير ريثما تنكشف هي الأخري..
> ولعل اليوم تقف أمامنا أكبر تجربتين للعلمانيين العرب، كان حصادها حصاد الهشيم الذي تذروه الرياح، هذا الأسبوع تصدع أكبر صرح للعلمانيين في تونس، خر السقف على حزب نداء تونس الذي يقود الدولة وضربته انقسامات حادة لم يكن يتصور أحد من العالمين أن حزب الرئيس قايد السبسي الذي تجمعت فيه كل رموز نظام بن علي السابق وتكتلات من «المتفرنسين» ومن يسمون أنفسهم بالحداثيين وكارهي حركة النهضة التي حكمت تونس في الفترة الانتقالية التأسيسية بأغلبية كبيرة، هذا التجمع العلماني العتيد وقوامه منظمات سياسية ومنظمات مجتمع مدني سخر كل ما لدى هذا التيار للتحكم في عصب الدولة وقيادتها، لكن لم يلبث في الحكم موحداً، فغشته غاشية الخلاف وشهوة السلطة والفساد وعدم القدرة على إدارة دولة مثل تونس، فتبادلوا الاتهامات والعراك ولم يكن من بد غير الافتراق والشتائم ضاربين مثلاً لنوع النخب العلمانية عندما يطغى بها الطمع والفساد واستخدام النفوذ وممارسة السلطة وقمع الآخرين..
> في ذات الوقت كانت نظرة الشيخ راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة ثاقبة، تصالح مع الواقع وحافظ على تياره رغم المؤامرة والضيق وكانت تحاك عليه أمور دبرت بليل كما حدث في مصر لكنه تجاوز العقبات.. ومد يده إلى خصومه.. وانتظرهم في نهاية الطريق.. فسيأتونه وقد تفرقوا أيادي سبأ.. وربما تكون هناك انتخابات مبكرة على الأبواب.. لكنها ستأتي والتيار العلماني التونسي يغوص في وحل خيباته..
> أما الأنموذج الثاني للنخب العلمانية الفاشلة، فهو بلا شك أكثرها إخفاقاً وخبثاً، هو التيار العلماني المصري الذي خان الديمقراطية الوليدة، ودخل متلفحاً ومختبئاً بالبزة العسكرية داعماً الانقلاب على الحكومة الشرعية تحركه كراهية الإخوان المسلمين وحزبهم، فأين هو هذا التيار اليوم؟.. ذابت أحزابه وتشتت جبهة الإنقاذ الوطنية التي تأسست ضد الرئيس المنتخب محمد مرسي، وأعاوا القصر وسلطته إلى الجيش وتمترسوا خلف السلطة الجديدة فتناسوا أحزابهم، وصاروا جوقة للسلطان الجديد، وذهبت أقاويلهم حول مدنية الدولة وديمقراطيتها أدراج الرياح، وصار هذا التيار مطية حتى للعدو الصهيوني يسخر الدولة ضد الدين ومقتضياته وقطعياته، وبدأت رموز التيار العلماني المصري تطعن في أصول الإسلام وتشكك حتى في الإسراء والمعراج، وتحذف ما تريده من آيات القرآن الكريم من مناهج التعليم وتلغي مقررات، وتحكم بالإعدام على صلاح الدين الأيوبي وتسخر من تاريخ مصر الناصع في خدمة الإسلام..
> والقاسم المشترك بين التيارين العلمانيين في مصر وتونس، هو التحالف مع رجال المال والأعمال ورموز النظامين السابقين ومع القوى الخارجية والبترودولار العربي للوقوف ضد الإسلاميين ومنعهم من الوصول للسلطة.. لكن دورات التاريخ لا تتوقف في محطة جرداء بائسة..
> مقابل ذلك تُقدم التيارات الإسلامية التي تعيش قوة في سطوع الديمقراطية ونظمها تجربة باهرة، فالناس منشغلون ومعجبون بالتجربة التركية، لكن تجربة حزب العدالة والتنمية في المغرب أكثر إدهاشاً ..! فحزب وليد يقوده شباب يستطيع الوصول للسلطة في ظل ملكية دستوية راسخة وذات تاريخ وتجليات عميقة في الشخصية المغربية، يصل هذا التيار الإسلامي الشاب الى الحكم مكتسحاً الانتخابات قبل أربع سنوات، ويتم التجديد له في انتخابات البلديات والمحليات والانتخابات شبه النصفية للبرلمان، فيقدم هذا التايا بقيادة رئيس الوزراء عبدالإله بن كيران، تجربة فريدة في التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية، ويقود ثورة حقيقية داخل المغرب في التصالح والوئام الأهلي والتشريع والقانون ويقدم قدوة باهرة للشعب المغربي. فرئيس الوزراء وله أربع سنوات في الحكم، لم يرحل للسكن في القصر الحكومي الفاخر المخصص لإقامته، واكتفى بمنزله القديم مع مواطنيه وأهله وشعبه، وكذلك الوزراء، لم يتهم أي وزير او مسؤول في حزبه بتهم الفساد او المحاباة او المحسوبية.. في وقت غربت فيه شمس الأحزاب العلمانية التاريخية مثل حزب الاستقلال والحزب الاشتراكي..
> أبعد هذا في أنموذج العلمانيين ونماذج الإسلاميين، أين يكمن المستقبل ولمن؟.. ومن الذي يستفيد من عظة التاريخ ومن عظمة الفلاح؟!..


تعليق واحد

  1. الكلام الذي قلته جله صاح لكن لم تذكر إسلامي السودان و لم تذكر انجازاتهم طيلة ال25 سنة المنقضية ،، و من منهم سكن في بيته و لم يطمع في بيت الدولة ،، و أي منهم لم يتهم بالفساد بل الفساد يمشي علي ارجل وسطهم ،،،