رأي ومقالات

صديقي حسن (القطر) ؛ انسان قمة الظرف ووسامة الروح ؛ يتقطر طرافة


صديقي حسن ؛ الشهير بلقب (القطر) ؛ انسان قمة الظرف ووسامة الروح ؛ يتقطر طرافة ؛ بسام مفتر الثغر عن ابتسامة نحتت امتداداتها علي وجهه العريض فجعلت سمته وكأنما الافراح فصلت علي اقداره العديدة ؛ منذ ان نشأنا في الحي العتيق الازقة كان هو بتلك الروح وكأنما ولد من رحم التفاؤل ؛ جرب حظه في دروب الاكاديميات فلم يحقق نجاحا ؛ ليس لانه بليد ؛ كلا وحاشا ؛ كان اول الاوائل في دفعتنا في مدارج التعليم الاولي ؛ ولكن لعنة وما ظروف خاصة كسرت عنق مستقبله ؛ لم يمت ؛ قام في دروب الصنعة نطاسيا بارعا ؛ من تنغيم حراك تفاعلات ماكينة عربة يصف لك العطب ويحدد مكانه ؛ بدأ عاملا في ورشة صغيرة خبر فيها الصنعة وتشبع بزيوت وشحوم السيور وحذق بعضا من لؤم (المكاينكية) وصبرهم وغير قليل من لغتهم العارية المباشرة ؛ قضم بعض الحديد غطاء ظفرين من يده اليسري ورسم لسع بخار (لديتر) جانب وجهه فجلاه مضيفا عليه لونا اشهب تمازج وسمرته فحوله لخلاسي! صديقي القطر كان صاحب صوت نقي ؛ رائق الصدي والجرس ؛ كان (عوادا) ماهر الدوزنات ؛ اقتني عودا يرافقه في ظهر (البارلينا) ؛ سيارته التي يحسن العناية بها فكانما يضع عليها وجد ايامه ؛ كل خميس ينثر الماء علي حبيبات رمل عند منعطف الطريق حيث منزله ؛ يجلس مع مولانا (عواض) ويأت ايمن وهو مصرفي كثير التضجر يسمع رنة قرش في المريخ ؛ واحضر انا ؛ واحيانا يلحق بنا (حمو) ان سنحت له فرصة التسلل من زوجته التي تضرب عليه طوقا من حصار يفك دوما بكثرة سفرها لواجب عزاء في قريتهم حيث اسرتها الكبيرة اذ لا يمضي اسبوع الا وكفا حمو يديه علي روح فقيد فيها ؛ يحضر كذلك (ياسر) وهو بعض سلالات اشتراكيين وشيوعيين قدامي ؛ يحضر كالعادة متأبطا ديوان شعر يصر كل مرة ان يلقي منه قصيدة من ذاك النوع الذي يقل سامعها والمسموعة منه الي الحبوس وسوء الظن العريض ؛ كنا نتحدث ؛ فارغة ومقدودة ؛ بعض حكايات بذئية ؛ وشيئا من رصين الدين وهراء السياسة وشيئا من شذرات الرياضة ؛ التي كنا نعرج عليها حين يأت (الكوتش) وهو لاعب كرة خانته الايام وطارئات الليالي فانتهي ليكون شخصا يمارس اللعنات علي (الكيشة) الذين يحكمون الاندية ! كان القطر هو ملح المجلس ؛ يقول ويحكي قصة الاغنية ثم يقول (الخدير انا ماني حي ) يوقعها بالعود ؛ واقول له هذه اغنية ايقاعية كيف نقلت رزمها من الطبل لاوتار العود ! ثم يمضي ويغني (ناح حمامي) ويشرح ان هذه الاغنية عن معادلة الاجازة لمن يؤديها بلا خطأ في الاذاعة ويسمي شخصا لا اعرفه بانه (فقط) من يجيدها ؛ كان الرجل سحارة حكايات ؛ اضطرني للحرص علي احضار مفكرة لملاحقة تدوين ملاحظاته ؛ كان حين يفتر يكرع كوبا من عصير امامه يجيد صنعته بخليط هو مزيج من البرتقال والجوافة ثم يتابع جدل ايمن وحمو وياسر والذي يكون مرات حديثا رجاليا عن الفحولة ومحفزات سوء السلوك فيقول القطر ضاحكا ..بالله هسة خريج المنطقة انا ولا ديل يا نوار ! تمضي الساعات لا يقطعها كالعادة الا عبور مركبة للشرطة يستوقفها منظر جمعنا فمرات ياتون الينا مستكشفين واحيانا يمرون علينا مثل اللغو كراما ! حينها نكون قد اخذنا اشعارا بالتفرق فينفض جمعنا الذي يلحظ ان احد الجيران ومع ضجة تحركنا للمغادرة يمد راسه من فوق بلكونة بمبني شاهق مجاور يضئ النور فنراه ينظر الينا في حيرة ليقول القطر همسا .. جاري يظن اننا رهط (سطلنجية) !

الخرطوم: محمد حامد جمعة