رأي ومقالات

السودان وطن يسع الشريف الهندي وتراجي وعرمان!!..


ذات مرة جاءت مجموعة من شباب المعارضة، أيام مايو، إلى المناضل الشريف حسين الهندي، رحمه الله، لتطلب منه أن يسعى لمنع افتتاح بنك فيصل الإسلامي في السودان، لأن ذلك من شأنه تقوية النظام مالياً ومعنوياً، حسب رأيهم. فرد عليهم ذلك الرجل النبيل بقوله: «نعم نحن نعارض دكتاتورية مايو ولكن لا يمكننا تدمير ما هو قائم من مؤسسات ولا الحيلولة دون إنشاء مؤسسات يمكن أن تفيد السودان، لأن نميري سيذهب وسيظل السودان وطناً للجميع، وما دمنا نسعى لحكم السودان، فلا يمكن أن ندمر مؤسساته بأي حال من الأحوال». وهذا يدل على أن الحكماء يعلمون أن المعارضة يجب أن تكون موجهة لنظام بعينه وليست ضد الدولة أو الوطن برمته. ولكن مع الأسف الشديد، فإن ممارسات بعض الحركات والجهات المعارضة في السودان جنحت في مرات عديدة لتدمير مقدرات البلاد مثلما حدث سابقاً من تفجير أنابيب النفط أو قطع طريق الخرطوم ــ بورتسودان، أو غير ذلك من الأعمال التخريبية التي تمارسها الحركات المتمردة في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق من حرق للقرى وترويع للآمنين العزل من المواطنين الأبرياء. وبغض النظر عن هذه السلوكيات العدائية والسجلات الحافلة بالجرائم، نرى أن السودان فعلاً وطن يسع الجميع، وهذا يستدعي بالضرورة أن نضع أيدينا فوق أيدي بعض ونجعل من سلامة السودان ووحدة أراضيه هدفاً سامياً وغاية يسعى لتحقيقها كل من له القدرة على العطاء، سواء كان في المعارضة أو الحكومة، ويدلي بدلوه حسب معرفته وكسبه. وما يهم هو استعداد الأفراد والجماعات للتنازل عن الطموحات الشخصية والعمل من أجل الوطن وسلامته وازدهاره وأمن شعبه واستقراره. ومن المعلوم أن هنالك شخصيات سودانية لها سجل معروف وسوابق ثابتة في ما يتعلق بالعمل ضد مصلحة البلاد العليا بدعوى النضال من أجل حقوق الضعفاء والمهمشين بزعمهم، ولكن لا مانع البتة من الترحيب بهم إذا عادوا إلى أحضان الوطن وأرادوا العمل من الداخل، مستفيدين مما اكتسبوا من خبرات إيجابية من شأنها أن تصب في المصلحة العامة، سيما أن لهم علاقات مع جهات خارجية كانت تساندهم، ويمكن بشيء من الحصافة والتنسيق استخدام تلك العلاقات لمد جسور التواصل بين السودان وتلك الجهات والدول حتى تغير نظرتها السالبة للسودان وتقيم معه علاقات مبنية على المصالح المشتركة وليست على العداء الذي يقوم على شائعات تغذيها الأوهام والمعلومات الكاذبة، كتلك التي أدت إلى تدمير مصنع الشفاء الذي كان يصنع الدواء وليس الأسلحة الكيميائية كما قيل! وبكل صراحة دعونا نتمسك بشعار أن السودان وطن يسع الجميع فعلاً، وذلك يتطلب خلع جلابيب الجهوية والقبلية والانتماءات الحزبية والفكرية والإثنية الضيقة والارتباطات المشبوهة مع جهات لها أجندة خفية ضد السودان، فكل هذه لن تفلح قط في بناء وطن آمن مستقر ومزدهر. ووفقاً لهذا الشعار يجب أن تمد الحكومة يدها بيضاء من غير سوء لكل من يعود لأحضان وطنه ودياره وأهله، بغض النظر عن ماضيه وسيرته أو معارضته للإنقاذ، شريطة أن يأتينا مَوثِقاً بأنه سيجعل مصلحة البلاد العليا نصب عينيه، والرجوع إلى حضن الوطن والالتزام بمصلحته العليا تجب ما قبلها لا محالة. وحسب معطيات الوضع الراهن داخلياً وإقليمياً فإن ما يهمنا هو تجنيب الشعب السوداني ويلات الحرب والدمار التي لا تبقي ولا تذر! ومن هذا المنطلق لا بأس من التواصل مع الشخصيات العامة التي كانت سابقاً تدعم التمرد وتروج له وتقوده. ولهذا السبب فإن كثيراً من المراقبين يرحبون بمشاركة الناشطة تراجي مصطفى في جلسات الحوار الوطني والمجتمعي، على الرغم من اختلافهم معها في بعض وجهات النظر، ونأمل ألا يفسد ذلك للود قضية بين أبناء وبنات الوطن الواحد. وهذا ما يجعلنا نختلف مع أولئك الذين لم تعجبهم الحفاوة التي استقبلت بها السيدة تراجي من قبل الحزب الحاكم الذي يصفونه بأنه في أزمة تجعله كالغريق الذي يتمسك بقشة! وهذا لعمري كلام يجانب الصواب لحد كبير، بحسب أن الإنقاذ مع تقصيرها وعجزها في كثير من الملفات السياسية والاقتصادية وإخفاقها في إخماد نار الحرب والانفلات الأمني في بعض أجزاء البلاد، إلا أنها مازالت تمسك بزمام الأمور وليس من المرغوب إضعافها في هذه المرحلة، حفاظاً على سلامة الوطن ومنعاً لانزلاقه نحو حافة الفوضى والدمار وللحيلولة دون انفراط حبل الأمن والاستقرار، الأمر الذي سيؤدي حتماً إلى نتائج وخيمة، ولنا في دول المنطقة العربية عظة وعبرة. ومن جانب آخر سرنا ما رشح من أنباء عن تقارب أو اتفاق وشيك بين الحكومة وفصائل المعارضة حسبما أفادت وسائل الإعلام، بيد أننا لا نقر مبدأ المحاصصة والسعي لتقاسم كعكة السلطة مثلما حدث في مرات سابقة، ولا الإبقاء على قوات مسلحة بجانب الجيش السوداني، فكل ذلك مرفوض جملةً وتفصيلاً. خلاصة القول يجب ألا نجعل من شعار السودان وطن يسع الجميع مجرد شعار للاستهلاك الإعلامي، بل يجب علينا الالتزام بمقتضياته ومتطلباته.

محمد التيجاني عمر قش
الانتباهة