حوارات ولقاءات

د. غازي صلاح الدين العتباني : لا علم لي بتنصيب النائب الأول لرئيس الجمهورية لرئاسة المرحلة المقبلة بعد انتهاء الولاية الحالية وفصل الجنوب أبلغ تعبير عن فقدان النظرة الإستراتيجية


تتميز شخصية د. غازي صلاح الدين العتباني بالحذر الشديد، خصوصاً تجاه التصريحات للإعلام في الآونة الأخيرة، ربما لسببٍ لا يريد الإفصاح عنه، أو ربما بسبب بعض التجارب غير السارة مع بعضهم، ولا نلومه، ولذلك جاءت ردوده مقتضبة جداًعلى الأسئلة الحرجة التي ناشدناه الإجابة عليها، وللحقيقة لم تكن مهمة استنطاق الرجل بالميسورة، فقد قابلته في مناسبة اجتماعية بحتة ووجدته كما أسلفت يستعصم بالصمت ومقاطعة الحوارات الصحفية، وقد قالها لي صراحة أحد أعوانه الأوفياء بأنه رفض الاستجابة للعديد من طلبات المقابلات الصحفية، وقال إنه يحبذ الكلام في أجواء المؤتمرات الصحفية حتى يكون الفيصل والحديث موثقاً لدى الجميع، بحيث لا يتطرق إليه التحوير والتبديل، ومحاولات التذاكي الكذوب، وهي صفة للأسف الشديد لازمت بعض صحافتنا في الآونة الأخيرة، نأمل الترفع عنها. عموماً استطعت بعد محاولات متتالية إدارة حوار جاد مع الرجل الذي يعد واحداً من أبرز القيادات السياسية، ورئيس حركة الإصلاح الآن، وطوفنا بالعديد من موضوعات الساعة ومستجدات الراهن السياسي بدءاً بمتوالية الخروج من عباءة المؤتمر الوطني، ومروراً بالحوار الوطني ومقتضياته، ووصولاً إلى ترسيم ملامح مستقبل المرحلة المقبلة…. فلنطالع الأسئلة والإجابات.

> الناس يتساءلون: هل خرجت حركة الإصلاح الآن من رحم المؤتمر الوطني بهدف الإصلاح، أم نسبة لاستهداف رموزها داخل التنظيم؟
< الحركة هي للإصلاح، وليست للانتقام أو التشفي من أحد. > الاعوجاج موجود في المؤتمر الوطني منذ ما قبل المفاصلة، فلماذا لم يتحدث أحد؟
< بل تحدث كثيرون، وتحركوا بداعي الإصلاح، ونشاطهم ومواقفهم معروفة لمن كان متابعاً. > هنالك شكوك تذهب إلى أن خروج غازي من الحزب الحاكم، إنما تم وفق ترتيبات مرسومة تهدف للالتحام بقوى المعارضة؟
هذه هي نظرية المؤامرة .
< هذه السيناريو أيضاً يقال عن السيد الصادق المهدي بعد أن ابتدر الحوار الوطني بالداخل ثم خرج في «تخرجون» الأخيرة؟ نفس الشيء. > حركة الإصلاح الآن أصيبت بعد تكوينها بداء الخلافات وتم تبادل الاتهامات علناً بين رموزها، هل هي أصابع المؤتمر الوطني تريد العبث بكم أم أن الطموحات والمطامع بدأت تتشكل وسط الحركة؟
< ما حدث كان عرضياً ومحصوراً ولم يترك أثراً كبيراً، ولا نتهم به جهة خارجية.> البعض يؤكد أن الصراع الجوهري وسط قيادات الحركة الإسلامية يتمحور حول أمرين، فك أسر الدولة والتعايش مع المتغيرات، مواصلة مشروع التمكين، إلى أي الفريقين تنتمي حركة الإصلاح الآن؟
< لست متفقاً مع هذا التصنيف الحصري، لكنني مقتنع بأن المشروع لم يحقق أهدافه، وإن أراد أصحابه ابتعاثه فأمامهم واجبات تجديدية ثقيلة ومراجعات ومحاسبات. > بعيداً عن اجترار التلاوم على ما حدث إبان التوقيع على بروتوكول ميشاكوس، وما حدث بعد ذلك في منتجعات «نيفاشا»، هل تعتقد أن اتفاقية السلام الشامل كانت محض «صفقة بين رجلين»؟
< رأيي قلته من قبل، وهو أكبر من أن يختصر في تلك الجملة. > هل تعتقد أنه يمكن تطبيق نفس التجربة اليوم وإسقاطاتها على النزاع في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق؟
< إذا حدث ذلك، فنحن لم نتعلم من مسيرة التاريخ. > هل ثمة أمل في إعادة الأمور سيرتها الأولى، والتوقف عن الدخول في مشروعات تمزيق إضافية؟
< العلاقة مع الجنوب لن تصفو لمجرد الأماني، فصل الجنوب في حد ذاته كان أبلغ تعبير عن فقدان النظرة الإستراتيجية، الجنوب دولة بالغة الأهمية بالنسبة لنا، إن لم تكن الأهم، وإذا أحسنّا التخطيط في التعامل معها وفق رؤية إستراتيجية، ربما نحصل وضعاً أفضل مما كنّا فيه. > ما رأيك في العودة إلى طاولة الحوار الوطني.. الآن؟
< نحن لسنا «حردانين» للحوار الوطني، نحن في الحقيقة من أكثر من دعوا له وروجوه، وسهمنا في إنجازاته الكبرى معلوم للجميع، تحديداً خارطة الطريق واتفاق أديس أبابا، الأهم في الحوار هو حضور جميع الأطراف المعنية به وإلا أصبح حواراً مع الذات. > ولكنك من الذين ابتدروا المسيرة المضنية في البحث عن الحوار الوطني المفضي إلى الإصلاح؟
< هذا صحيح، وهذا ما يكسب رأينا مصداقية وموثوقية لدى جميع الأطراف.> د. غازي لديه تجربة جيدة في مركز دراسات اتجاهات المستقبل، برأيك هل تعتقد وفق المعطيات الحالية، أن البلاد تمضي باتجاه الأمن والاستقرار، أم أن هنالك سيناريوهات سوداء قادمة؟
< كلا الاحتمالين وارد، ما يتحقق فعلاً رهين بنوع القيادة التي تفهم اللحظة التاريخية وتوظفها. > البعض يشير إلى وجود اتجاه توافقي لتنصيب النائب الأول لرئيس الجمهورية لرئاسة المرحلة المقبلة بعد انتهاء الولاية الحالية وتجهيز الساحة والملعب، هل لديكم أي علم بأبعاد هذا الاتجاه؟
< لا علم لي بذلك، ولكن لم لا ينظر فيه إذا انسدت سبل الحوار وجمد الوضع الراهن. > هل لديكم معلومات عن اتجاهات قوى المعارضة المسلحة للتوقيع مع الحكومة على اتفاقيات ثنائية لإنهاء الحرب؟
< ما يؤكدونه لنا مراراً، هو أنهم ضد أية صفقة ثنائية. > حسب البيان الختامي للمؤتمر التنشيطي النصفي للحركة الإسلامية، أطلقت الحركة نداء الوحدة بين كل تيارات الإسلاميين. ما تعليقك على الدعوة؟
< قيام حركة إسلامية جديدة وموحدة رهين بانبعاث فكري تجديدي، وترتيبات تنظيمية تحقق اختياراً نزيهاً للقيادة.> مثل القليل من الإسلاميين الذين سبق وأن تولوا مناصب في الدولة، لا يعرف عن د. غازي صلاح الدين ملف فساد، كيف تنظرون إلى شيوع الفساد وسط الإسلاميين وإلى ماذا تعزونه؟
< لقد ضربت مثالاً بالبكتيريا في مقال كتبته عام «2004»، قلت فيه: إذا تركت جرحك مفتوحاً فلا تغضب إذا هاجمته البكتيريا وأفسدته، لأن هذه أصلاً وظيفتها في نظام الطبيعة. الناس يفسدون بالطبيعة، وكما قال أحد حكماء السياسة «السلطة مفسدة، والسلطة المطلقة مفسدة إفساداً مطلقاً». نحن إذن أمام قانون طبيعي لا بد من التعامل معه بطريقة حازمة ــ كما نتعامل مع البكتيريا إذا طلبنا الشفاء. نحاصر الفساد بالتشريعات والمؤسسات التي تحاربه كالبرلمان والقضاء والمراجع العام، والأهم من بين ذلك كله، أن تتوافر الإرادة السياسية لمحاربته لدى من يحكم.أجراه: محمد كامل عبد الرحمن صحيفة الإنتباهة