تحقيقات وتقارير

“إنتقالية الترابي” بين (دوحة العرب) و (شجرة المؤتمر الوطني)


تابعت وسائل الإعلام المختلفة زيارة الأمين العام للمؤتمر الشعبي، د. حسن الترابي للعاصمة القطرية الدوحة. وواضح أن كل حركة او سكنة يقوم بها الترابي محسوبة ومرصودة من جانب وسائل الاتصال الجماهيري والاجتماعي المسموع منها والمقروء والمرئي.
وكذلك أصبحت الدوحة من محطات الأمين العام للشعبي سواء المشاركة في ندوات وفعاليات ومؤتمرات متخصصة، أو الإستضافة في قناة الجزيرة ، أو المشاركة في مؤتمرات تخص الشأن الدارفوري (كمؤتمر أهل المصلحة).
ولكن الجديد هذه المرة هو ما أجراه الشيخ الترابي من فحوصات وصفها بأنها (روتينية). حتى هذه الجزئية تناولتها الوسائط الإعلامية المختلفة، بإشاعة قوية عن وفاة الترابي، ثم تم تخفيف الجرعة ليصبح الخبر (دخول الترابي المستشفى بصورة طارئة).
ثم تأتي الصور الثابتة والمتحركة من داخل (مدينة الشيخ حمد الطبية) لتُؤكد أنّ الترابي على قيد الحياة، وتُسكت (الخشامة). ثم تأتي صوره في صلاة الجمعة، ومقابلة الشيخ القرضاوي.
الأهم في زيارات الترابي الخارجية هو حواراته الصحفية ومقابلته مع الصحفيين وتصريحاته المتعددة حول مختلف القضايا ، خاصة ما يتعلق بالشأن السوداني.
وكانت من أقوى الحوارات والتصريحات ما كان في صحيفة (الشرق) القطرية، حيث ركز على الوضع الحالي في السودان، والمآلات والمسارات المتوقعة في المستقبل.
الترابي حذّر وبشدة « من خطر»الصوملة»، و»التفتت»، و»الاحتراب»، والانزلاق إلى حرب أهلية، على غرار ما تشهده كل من سوريا وليبيا واليمن، ولفت الى أن كيان السودان ليس قوياً، وأنّ البلاد تواجه مهددات داخلية وخارجية «.
الترابي يرى أنّ حل المشاكل يكمن في الحوار الوطني الحالي « وشدد على تمسك حزبه بالحوار الوطني، باعتباره المنقذ من أزمات البلاد، وأكد أن رؤية حزبه تدعو الى حكومة انتقالية لعامين يقودها الرئيس الحالي عمر البشير «.
هذا الطرح اعتبره البعض هو برنامج الترابي في المرحلة المقبلة أي مرحلة ما بعد الحوار. وهذه الدعوة للحكومة الإنتقالية أفرحت الكثيرين – بما فيها قوى المعارضة غير المشاركة في الحوار – والتي وإن كتمت فرحها ودسته، إلا أنّ بعضهم لم يستطع ذلك فأخرجه – كما يقول أهل اللغة العربية – في شكل المدح الذي يشبه الذم. فقالت بعض فصائل المعارضة أنّ الشعبي سرق ورقة البديل الديمقراطي وقدّمها في طاولة الحوار.
ولكن في المقابل أغضبت هذه الدعوة للحكومةالإنتقالية (اخوان الأمس في الحكومة ورفقاء السلاح وحلفاء اليوم في الحوار) الاخوة في المؤتمر الوطني، فقال بعضهم أنّ الدعوة لحكومة انتقالية وهم كبير، وما زالت الإنتقادات لهذه الفكرة أو الدعوة حتى الأمس حيث قال قيادي في الوطني، إنهم مع تشكيل حكومة قومية.
الهمس الدائر في المدينة يقول إنّ الحوار الحقيقي بدأ بطرح ورقة الشعبي حول نظم الحكم والإنتقال.
أحد المتابعين لمختلف الأحداث والتطورات ووكذلك متابع لخلافات الإسلاميين منذ الرابع من رمضان، قال ليست المشكلة في التسمية (انتقالية – قومية – حكومة حوار وطني) وقال: هو يُفضل أن تُسمى (حكومة حوار وطني).
وتم تفصيل الوضع الجديد في لجنة الحوار المعنية بالأمر، حيث سيكون هناك رئيس للوزراء يختاره رئيس الجمهورية ولكن لابد أن يُوافق عليه المجلس الوطني، وتكون له سلطات تنفيذية، كما تكون للرئيس السلطات السيادية.
الترابي بدوره دعا إلى حل الأزمات وإشاعة الحريات وضمان الحقوق الأساسية، معتبراً الحوار هو السبيل الوحيد لكل السودانيين للحفاظ على وحدة البلاد، وحثّ على مراجعة تجارب الحكم الماضية، وتأسيس حكم رشيد أساسه القانون واحترام كرامة الإنسان والالتزام بالحقوق والواجبات.
وأوضح الترابي انه في ظل المعطيات الحالية، فانّ فالسودان مهدد بالتفتت والاحتراب، لعدة عوامل داخلية وخارجية. الترابي لم يُفصّل – كعادته – بل ترك الأمر لحصافة المحللين وفطنة وذكاء القراء المتابعين، وإنما أطلق إشارات عامة.
فمثلاً يقول في إحداها: « نخشى الصوملة أو ما يجري من حولنا كما في سوريا وليبيا واليمن، وآن أوان تفكيك الأزمات ووقف الحرب في النيل الأزرق وجبال النوبة ودارفور، فضلاً عن المهددات الخارجية، والضائقة الاقتصادية، بعد انفصال الجنوب وذهاب أكثر من نصف عائدات النفط، والعقوبات الاقتصادية، والإنفاق الحكومي الكبير الذي أثّر على الميزانية، وتحمل المواطن العبء».
من أجمل الإشارات وأذكى الإلتفاتات هو انتباهه للأجيال الجديدة، والتي بتوزيعها (الديموغرافي) وتخصصاتها وتعليمها وطموحاتها، سيكون لها أثر كبير في مجريات الأحداث في السودان. حيث أشار الترابي إلى:» أنّ السودان يشهد متغيرات كبيرة، وأجيالا جديدة، في ظل انفجار التعليم من جامعة واحدة الى عدة جامعات، ووسائل الاتصالات الحديثة، وتوفر الهواتف الذكية، التي ربطت العالم، وهذا الواقع يستوجب التعامل معه بفكر جديد، وبسط الحريات واحترام الحقوق والواجبات وكفالة الحقوق والحريات الأساسية، وأن تكون حجر الأساس للكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية والمساواة وتكون مضمنة في الدستور».
رأى بعض المراقبين أنّ الترابي:» بدا متحفظاً حيال الخوض في مستقبل الحوار الوطني والذي ابتدره الرئيس عمر البشير في اوائل العام 2014 ،سيما وأن أعضاء من حزبه يشاركون في لجانه الست».
وعندما سألوا الترابي عن لماذا قبل النظام بالحوار؟ أجاب بالقول : إنّ الواقع الراهن والتطورات تجعل هناك حاجة له، تابع « وإذا جنح إلى الحوار، نجنح إليه نحن أيضا، ورد التحية، وكل الأحزاب تريد الحوار إلا من أبى».
الترابي نبه إلى وجود حراك بانضمام أحزاب وحركات، كما أن الحوار في حد ذاته كما قال الترابي في حوار الصحيفة القطرية: « يمثل المخرج الوحيد من الأزمات، والوصول إلى كيف يحكم السودان وتأسيس»حكم رشيد»، وأن يصل الجميع إلى نتائج بالتراضي».
من الأشياء التي نبه لها الترابي أنّ الحوار أصبح خيار كثيرين – بما فيهم الغربيين – حيث قال: «أصبح الحوار خياراً استراتيجياً وتتبناه الأحزاب والحركات المسلحة، حتى الدول الغربية باتت على قناعة بذلك، نظراً لما خلفته النزاعات من تكلفة لا يريدونها خاصة بعد انفصال جنوب السودان».
وكشف الترابي أن الحكومة والحركة الشعبية قطاع الشمال تقدما في الحوار خاصة وقف إطلاق النار والمساعدات الإنسانية بالنسبة للمنطقتين «النيل الأزرق وجبال النوبة».
ولكن في نفس الوقت أبدى الترابي قناعته بصعوبة تحقيق كل المطالب في الحوار، كما أن الانتقال يمكن تحقيقه من خلال الحوار حول القضايا المطروحة. فهل يعني هذا أنّ كل القوى المشاركة في الحوار والتي ستلحق به لابد أن تُقدم تنازلات؟؟
وقال «هناك كثير من الأوراق والأفكار التي قُدّمت في اللجان الست، ومخرجاته ستكون أساس الانتقال، وهناك أفكار حول تعديل الدستور، وفترة انتقالية، ومؤسسات الحكم، وتكوين حكومة مصغرة، ورئيس وزراء، وبقاء المجلس الوطني «البرلمان» لتعديل الدستور».
الترابي طرح رؤية حزبه(المؤتمر الشعبي) والتي تقوم على:» حكومة انتقالية لمدة عامين ، يرأسها عمر البشير، ويكون لمجلس وزرائها سلطات تنفيذية وتواصل المؤسسات التشريعية الحالية عملها في تقنين مخرجات الحوار».
هذا الكلام من الترابي تحديداً يتم تفسيره في اتجاهين، الأول هو رسالة تطمين للمؤتمر الوطني وحكومته، بعد أن شاع أنّ الحكومة الإنتقالية تعني تفكيك دولة الإنقاذ ومؤسساتها.
أما الإتجاه الثاني – وهو رأي غالب الممانعين من المشاركة في الحوار- أنّ هناك اتفاق بين الرجلين، بل والمؤتمر(الشعبي والوطني) على توحيد الحركة الإسلامية وتجاوز كل مرارات الماضي والمضي قُدماً في مشروع الإنقاذ مع إصلاحات جذرية أهمها إتاحة الحريات والتداول السلمي للسلطة وحاربة الفساد والمحاسبة، ومعالجة الإنحرافات التي صاحبت المشروع.

عبد الله مكي
صحيفة ألوان