منوعات

إجابات كسولة ..!


«العقل العظيم لا يحمل نوعاً».. كولريدج ..!
(1)
الكاتب السعودي فهد الأحمدي أثار عبر مساحته المقروءة بصحيفة الرياض سؤالاً كبيراً حول خطب رسولنا الكريم – أكثر من خمسمائة خطبة، إما مفقودة أم لم تصلنا كاملة – باستثناء خطبة الوداع الشهيرة و الثابتة بنصها الدقيق المتواتر في أمهات كتب الحديث.. يقول كاتب المقال إن عشر سنوات في المدينة المنورة تعني 510 خطبة جمعة لا نعرف عنها شيئاً.. وحينما قام كاتب المقال بإلقاء هذا السؤال على أكثر من عالم وفقيه لاحظ حالة تأمل وصمت قصيرة تعتري المسؤول الذي يبدو أنه ليس بأعلم من السائل .. حتى الكتب التي تتحدث عن خطب الرسول – صلى الله عليه وسلم – لا تتضمن سرداً كاملاً لها، إنما فقط تجميعاً للأحاديث التي ترتبط بها مع تخريج الأحاديث وشرح المعاني.. ويخلص الأحمدي إلى أننا نحتاج إلى مؤرخ أكثر من فقيه ليجيبنا على هذا السؤال الصعب.. هذا هو بالضبط مربط الفرس في كل ما يتعلق بالبحث والتحقيق في التاريخ الإسلامي، فكلما ثار سؤال عن حقبة مهملة أو رواية مندثرة في التاريخ الإسلامي – صدر الإسلام على وجه الخصوص – انبرى معظم علماء الدين وليس التاريخ لسد الذرائع خوفاً على تلك المسلمات من غارات الأسئلة ..!
(2)
لعلك قد لاحظت – مثلي – شح ظاهرة اجتماعية سياسية، يكثر شيوعها في مجتمعات أخرى، مفادها الجمع بين مؤسسة الزوجية والشراكة السياسية في علاقة واحدة، ولا أعني بذلك المصاهرة السياسية، بل زواج السياسيين بسياسيات، يصارعون معهن في حلبات السياسة قبل أن تصرعهم خلافات الزواج أو يصرعونها.. في جنوب إفريقيا مثلاً تغولت الخلافات السياسية على الشراكة الزوجية بين «مانديلا» وزوجته «ويني» فانتهت بانفصال زوجي لأسباب سياسية.. أما تأثر المواقف السياسية بالخلافات الزوجية فمن طرائفه موقف الرئيس الأرجنتيني الأسبق «كارلوس منعم» الذي ضاق ذرعاً بمعارضة زوجته و انتقاداتها السياسية المتكررة فاختار الطلاق!.. أما رئيس بيرو السابق «ألبرتو فيوجيموري» فقد وصف زوجته بأنها غير وفية ومنحازة لمنافسيه السياسيين، وجردها من لقب السيدة الأولى، ثم طلقها غير آسف لأنها اتهمته علناً بالتسامح مع انتشار الفساد!.. عندنا في السودان لا تكافؤ بين حضور الجنسين في ميادين السياسة، رغم ثبوت الكفاءة والأهلية والجدارة، والسبب أيضاً طريف!.. معلوم أن السياسة ليست شارباً كثاً وصرامة بلا مبرر لكنها في السودان مجال ذكوري نجحت في اقتحامه بعض النساء وعلى استحياء ..!
(3)
كلنا مجمعون على ضياع فضيلة الإتقان من صناعة الإعلام في السودان لكننا لا نحرك ساكناً أمام لعنة العشوائية التي تمسك بتلابيب حضورنا الإعلامي.. أما لماذا فلأننا ننتمي إلى شعب مصاب بداء عضال اسمه «إغفال التفاصيل».. أهم التفاصيل.. لذلك يفشل إعلامنا دوماً في تغيير نظرة العالم نحو قضايانا المحلية.. شواهد عالمية كثيرة تؤكد أنه ليس بالإمكانات المادية والتقنيات الحديثة وحدها يحيا الإعلام، وأن أغلب أسباب النجاح تكمن في براعة الاشتغال على بعض التفاصيل.. كم مرة قرأتَ تحقيقاً يتصدر صحيفة محلية بعناوين نارية غليظة ومتن هلامي تنقصه أهم التفاصيل ؟! كم مرة أغراك الترويج التلفزيوني بمشاهدة مادة إعلامية فظللت تمني النفس بتفاصيل وخبايا لا حصر لها قبل أن تصيبك المعالجات الكسولة التي تلازم أي تحقيق ينتهج كشف المستور في إعلامنا المحلي بالإحباط.. متى تتجاوز صحافتنا المحلية التغطيات الهلامية والعبارات الفضفاضة الخالية من لهاث المشقة ولزوجة العرق والمحاور غير العابئة التي يسهل تدبيجها خلف مكتب كبير مع كوب شاي.. لذا قبل السؤال عن أسباب غياب الإتقان المهني – عن أي تحقيق إعلامي محلي – لا بد من إزهاق روح العلاقة العكسية بين مساحات التحري وعدد أكواب الشاي ..!