مقالات متنوعة

منى عبد الفتاح : لاجئون بأزماتهم


تفجّرت في محطة قطار مدينة كلونيا في ألمانيا، في احتفالات رأس السنة مع مطلع العام الجديد، قضية محاولة ألف مخمور التحرش بـ 120 امرأة وفتاة وإحاطتهن وسرقة ممتلكاتهن. هذه الجريمة ممن يحملون ملامح عربية وشمال أفريقية والتي أكدتها الشرطة وشهود عيان أثارت ردود أفعال رسمية وشعبية كبيرة في ألمانيا.

تعافى الغرب من أزمة الثقافة الجنسية، وما زال العرب في إشكاليتهم معها. ففي بريطانيا مثلاً وقبل عدة سنوات، كان موضوع النقاش في مجلس العموم البريطاني هو “أزمة الصحة الجنسية”، باعتبار وجوب تدريس العلاقات الجنسية جزءاً مقرراً وثابتاً ضمن منهج الثقافة الوطنية بالمراحل المختلفة.

ثارت ثائرة أعضاء مجلس العموم لأنّه ثبت لهم أنّ الشكل السيئ الذي يتلقى به المراهقون هذا النوع من الثقافة أدى إلى فشلها، حيث يغادر العديد منهم المدرسة جاهلين أموراً هامة كانتقال الأمراض الجنسية بالعدوى.

أما إذا أردنا فتح موضوع كهذا في مجتمعنا فهو كفيل بأن يفتح علينا أبواب جهنم وذلك لأنّه يقع في رأي الكثيرين في باب المحظورات، وجملة القضايا المستوردة المراد منها إفساد المجتمع. صحيح أنّ المناهج الموجودة الآن تقدم دروساً بإشارات مقتضبة وسريعة تقتصر على المعلومات الفسيولوجية والتشريحية مع بعض البعد الديني.

ليست المشكلة في فقر المصادر الفقهية الموجودة فقط وإنّما أيضاً في فراغ المصطلحات المستخدمة، والتي لا تساعد في عملية إيصال المعلومة لأنّها إما مصطلحات علمية معقدة، أو مصطلحات قوية تخدش الحياء وتظلم المعنى المراد. كل هذا يؤدي إلى جهل يجعل الشخص يتقبل أمر الجنس بفهم مليء بالمغالطات، التي تولد لديه كثيراً من القلق الذي يلازمه خلال مراحل حياته ليؤدي إلى فشله في حياته الجنسية المستقبلية. بل إنّ كثيراً من الدراسات المنشورة تثبت يوماً بعد يوم أنّ أغلب المشاكل بين الأزواج سببها هو عدم التوافق الجنسي بين الطرفين الناتج عن التربية الجنسية المغلوطة والمعلومات المشوهة التي يحملها كل طرف.

أما مسألة الخوض في قضية الجنس فقد تحدث عنها الإسلام بشكل صريح وأنّه يدخل ضمن ثقافة المسلم الروحانية والفقهية، كما أكد على أنّه لا حياء في تقديم الثقافة الجنسية المشروعة. فقد أنزل الله تعالى في كتابه الكريم من أمور الثقافة الجنسية آيات كثيرة، تبيّن الممنوع والمسموح. أما في السنة فبالرغم من أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم بلغ أعلى درجات الحياء إلّا أنّه لم يمنعه من أن يعلّم الناس ويستمع إلى أسئلتهم وشكاويهم فقدم بذلك للمؤمنين والمؤمنات ثقافة جنسية رصينة.

تحتاج المعلومات الجنسية الصحيحة نفسها إلى من يقدمها، ففي ظل زخم المعلومات الجنسية المتوفرة على قارعة وسائل التكنولوجيا الحديثة، لا يمكننا إغفال الحديث عن الجنس مع الأبناء حتى يكتشفوا هذا العالم بطريقة علمية واضحة ومساعدتهم على اتخاذ المواقف الجنسية السليمة ومواجهة التغيرات الجنسية المصاحبة لفترات النمو المختلفة. ويؤمّن المختصون على مراعاة المراحل العمرية المختلفة لأنّ من رحمة الله على العباد أن الغريزة الجنسية لا تستيقظ إلّا بعد أن يستيقظ الضمير الخُلقي في الإنسان.

وكذلك يجب ألّا تتعدى مفهوم الحياء الفطري أو تخترق المفاهيم الدينية التي تشكل ثوابت لدى المجتمع المعين. وكما لا يمكن تحريم الخوض في المعلومات الجنسية فلا يجوز أيضاً ترك الأبناء يصلون إليها بطرقهم الخاصة. فوصولها عن طريق الأبوين والمربين يغني عن أيّ كلام نظري وهو ما اختصرته الأخصائية الألمانية “مارلين ليست”، قبل قصة اللاجئين المشينة: “إنّ استعدادنا لتقبّل الحديث عن الجنس مع أبنائنا أكثر فائدة من أوضح الكتب المصورة عن الأعضاء الجنسية”.

الخوف المتأصل في المجتمعات العربية نتيجة عدم وجود مثل هذه الثقافة والتي بالأساس تُبنى على احترام الآخر وعدم انتهاك حريته وخصوصيته، تزيد في حالة اللاجئين. إنّ أكثر ما يثير مخاوف اللاجئين الآن هو احتمال تراجع ألمانيا عن سياستها الترحيبية بهم، إذا ما تأكد تورط بعضهم في تلك الأحداث.