الصادق الرزيقي

الصحافة وأسئلتها وهواجسها


> يجب على الحكومة والمجتمع السياسي، ألا ينظران إلى النقطة السوداء الصغيرة على الثوب الأبيض. فما يُقال من ملاحظات وما يُثار من غضب على النشر الصحافي، لا تتجاوز نسبته حجم تلك النقطة السوداء على ثوب عريض ناصع البياض. فللصحافة دورها ووظيفتها في البناء الوطني، وفي ترسيخ المسؤولية وحكم القانون والدستور، وتحقيق الاستقرار والسلام الاجتماعي، فهي فعل طبيعي في سياق طبيعي، بغض النظر عن ما يعتري هذا السياق من ظروف غير مواتية واستثناءات تجعل من هذا الفعل كله تحت الشبهات.
> يهمنا كوسط صحافي، أن ننظر بمسؤولية وعمق إلى واجباتنا تجاه المجتمع والدولة. فليس صحيحاً تلك النظرة المبتسرة لدور الصحافة في راهننا الحالي، نحن نعمل في مهنة حساسة للغاية، تتعامل مع المعلومات ونشرها، متقيدة في ذلك بالقانون والأعراف واللوائح، وكل النظم التي تحكمها، فكل الملاحظات والتبرم والضيق من الذي تنشره الصحافة، مرده إما طريقتها في أداء واجبها، أو لنوع وطبيعة المعلومات والتحليلات التي تقوم بنشرها على جمهور القراء.
> في حال النظر إلى طريقة عرض واستخدام المعلومات لدى الصحف، فالفيصل فيها قواعد المهنة نفسها وإلزاماتها وأخلاقها وسلوكها، وتلك مدارس في عمل الصحافي ومذاهب شتى لم تزل حتى اليوم محل جدال واختلافات، لكنها لا تختلف في جوهرها وأصول قواعدها.
> أما نوع المعلومات وما يُبنى عليها من أخبار وتحليلات ومقالات، فهذا أمر يرجع برمته إلى مصادر المعلومات ومظانها، وما من مصدر في واقعنا الحالي أهم وأكبر من الحكومة والطبقة السياسية التي تعمل في العمل العام. فالأداء التنفيذي وما يصرح به المسؤولون في جوهره هو الوقود الذي تعتمد عليه ماكينة الصحافة لتعمل وتتحرك، فضبط مصادر المعلومات يتساوى في الأهمية مع ضبط منافذ معرفة هذه المعلومات وتعاطيها..
> وتعمل الصحافة وفق تقديرات ذات حساسية فائقة، وفي حالة ظرفية أضيق من سَمِّ الخياط، فالمساحة التي يحتاجها خبر عاجل أو تقرير «طازج» أو تحقيق ساخن أو حوار على قدر كبير من الأهمية، هي مساحة ضيقة لا تتسع لكثير من الاعتبارات، فالعوامل المتداخلة في تقديرات الصحافي هي ليست العوامل التي يتعامل بها غيره في تقديراتهم، فالصحافي مطلوب منه أن يكون سياسياً بتقديراته، ونظامياً واقتصادياً وأمنياً ومرشداً و واعظاً وكل شيء، في وقت وظرف واحد.. ويتعامل الصحافيون مع موادهم الصحافية وعيونهم على القارئ أكثر من أية جهة أخرى، فلو كانت العيون مصوبة نحو سلطة أو حكومة، لاختلف الأمر تماماً، ولما حدث أي خلاف بين الصحافة وأهل الحكم والسياسة.
> والفرق بين الصحافة والسلطة، أن الثانية تمتلك كل أدوات السيطرة والضبط والقانون والقوة، وليس للصحافة إلا سلطة معنوية وحيدة في سواد أحبارها ووجه صحائفها، وليس المطلوب في كل الأحوال أن تكون حالة الرضى كاملة من الطرفين، فهناك كيمياء من التوجس تتحكم في علاقة السلطة بالصحافة تجدها في كل مكان في العالم، ولا توجد عناصر موضوعية في ترطيبة هذه الكيمياء، وينبغي أن تؤسس علاقة ذات جدوى وفاعلية في حالتنا لا تتغول فيه السلطة على الصحافة ولا تمارس فيه الصحافة إلا دورها المسؤول الراشد من أجل الوطن والمواطن.
> من يجب أن ننظر لأفق متقدم في خياراته ونجد الأرضية الممكنة التي يمكن أن تقف فيها الصحافة شامخة منتمية للحقيقة ووطنها، والحكومة واعية ومتفهمة لدور الصحافة التي يراها بعض المسؤولين قد تخطت مرحلة الحرية إلى مرحلة الفوضى الضاربة بأطنابها.
> ولعل أفضل وسيلة لإزالة هذا الجدار السميك من التوجس والحذر وربما عدم الثقة، هو ترك الصحافة تقوم بمهمة الإصلاح الذاتي لواقعها وللأداء المهني اليومي، وهي تستطيع ذلك بلا شك، والسودان بلد يستحق أن تكون صحافته قوية وحرة، ففي كل المحيط حولنا الإفريقي والعربي، لا توجد صحافة ذات قدرة على التأثير وتشكيل الرأي العام مثلما هي صحافتنا..