الطيب مصطفى

الخطاب الإسلامي المعاصر.. والحضارة الغربية (6)


ويمضي د. عصام أحمد البشير في تتبع بعض القضايا الفقهية منحازاً إلى المدرسة الوسطية وداحضاً منطق الفقه المتطرف، ونورد اليوم بقية حديثه حول آفاق الخطاب الإسلامي المعاصر.. والحضارة الغربية.
الاتجاه الوسطي الحضاري:
يرى هذا الاتجاه أن الحضارة الغربية فيها الخير والشر، الحق والباطل، والتصالح والعدوان، وأن الحل الأمثل يتلخص في الإقدام على دراسة موضوعية هادئة للأفكار والنظم الغربية من أجل تحقيق طبيعة الاستجابة الصحية الواجب على المسلمين تبنيها إزاء الضغوط الغربية المختلفة على مجتمعهم، فإن كان في الحضارة الغربية من العناصر ما هو فاسد مفسد؛ وما لم نتصد بالدراسة لتراثنا وتقاليدنا هي الأخرى بالموضوعية نفسها والهدوء والمعايير العلمية والحرص على تجنب الآراء التحكمية؛ فما من أمل يبقى في قدرتنا على مواجهة التحديات المعاصرة، كما أنه ما لم نول اهتماماً بما يمكن للدين أن يحققه لخير الإنسان الاجتماعي والاقتصادي مماثلاً لاهتمامنا بما يمكن للإنسان أن يفعله من أجل تمجيد الخالق؛ فما من أمل يبقى في قدرة الانسان على حل المعضلات.
وهذه القلة يتهددها خطر الغلو الذي يمليه تعاظم المد الفكري الغربي، وطغيان النظام العالمي الجديد، وازدواجية معاييره التي تنحاز – صراحة – لغير المسلم ضد المسلم، كل هذا يجعل بعضهم يميل إلى هجر الاعتدال، والتعاطف مع الغلو باعتباره السبيل العملي الأوحد إلى مواجهة الأخطار التي تهدد بابتلاع مقدراتنا وطمس هويتنا.
(ب) عوامل الاعتدال والغلو في الخطاب الإسلامي المعاصر تجاه الحضارة الغربية:
إن الاعتدال والغلو في الخطاب الإسلامي تحكمه عدة عوامل.. بعضها من جهة المسلمين، وبعضها من جهة الغرب..
– فمن جهة المسلمين:
يرى معظم المسلمين أن الغرب..
يحمل عداء متصلاً للإسلام والمسلمين منذ القدم ويعمل على إحكام قبضته على العالم الإسلامي حفاظاً على مصالحه بتقوية الأنظمة غير الشرعية القائمة، وبمقاومة التيار الإسلامي ومنعه من الحكم ولو بالطرق الشرعية، كما حدث في الجزائر مثلاً.
يشعر بالخطر إذا امتلك المسلمون أي مصدر من مصادر القوة (عسكرية أو سياسية أو علمية أو اقتصادية) لذلك يعمل للحيلولة بين المسلمين وبين اكتساب القوة.
يعمل على إضعاف أي تجمع يهدف إلى وحدة المسلمين أو إلى تعاون فعال بين البلاد العربية ويؤجج الصراعات الداخلية في كل بلد.
يستهدف جماعات العمل الإسلامي السياسي حتى لا تكتسب شرعية قانونية وحتى لا تصل إلى المجالس التشريعية.
يعمل على إضعاف القيم الدينية في مجتمعات المسلمين بغزوه الثقافي المكلف وتأثيره على مناهج التعليم.. الخ.
مركزي ولا يقبل وجود مراكز حضارية متعددة في العالم.
ومن ثم.. يعتقد هذا الفريق من المسلمين أن الحضارة الغربية مفلسة وآيلة للسقوط لماديتها وكفرها، وأن البديل الناجع هو الإسلام.. وكذلك الشعوب العربية: فقدت خصائص الإنسانية، وغرقت في الشهوات، وفقدت الأخلاق.. ولا نجاة إلا بالإسلام.
– ومن جهة الغرب:
النظرة السلبية للإسلام: فالغرب يرى الإسلام ديناً جامداً لا يستجيب لمقتضيات التطور.. مما يؤدي إلى تقييد لحركة الإنسان ويعيب على الإسلام أنه لم تحدث فيه – كما حدثت في بقية الأديان – حركة تجديد تقربه لمقتضيات العصر وتبعده عن الجمود والتخلف.
الغرب يرى الإسلام مصدر خطر عليه وعلى حضارته ومكاسبها في الحرية والديمقراطية والانتماء إلى الوطن بغض النظر عن الانتماء إلى الدين (العلمانية).. ولقد صرح الرئيس الأمريكي نيكسون أن الإسلام هو عدوهم الأول.. في إلماح إلى عدائهم للشيوعية.
الغرب يرى الإسلام مهدداً لهيمنته على العالم لذلك يتعامل مع الإسلام بخطة تتراوح بين الإبادة والتهميش والتوظيف.. على هذا النحو:
– الإبادة: استئصال “الأصوليين” و”علمنة” الآخرين.
– التهميش: إذا لم تنجح الإبادة: فيجب التهميش بإحدى وسيلتين:
– إقصاء الإسلام إلى المساجد والزوايا ومنعه من أن يحكم أي قطر مسلم.
– طي صفحة الأقليات المسلمة والتي تشكل ثلث المسلمين في العالم.
– التوظيف: إيجاد نخبة مؤثرة ممن تدعي الإسلام وتنفذ أفكار الغرب.
الغرب يرى الحركات الإسلامية حركات تعمل على كسب ولاء الجماهير المسلمة بشعارات فضفاضة وهي لا تملك مشروعاً سياسياً أو اقتصادياً أو اجتماعياً وهي حركات تستخدم العنف والقوة وتريد قطع علاقة الغرب بها.
الغرب يعتبر الشعو الإسلامية شعوباً متخلفة محكومة بأنظمة دكتاتورية وفي حاجة إلى أن تستفيد من الغرب لترتقي، فالعالم الإسلامي هو الذي يحتاج للغرب ولا يحتاج الغرب إليه.
الغرب يرى إمكانية تشكيل الفكر الإسلامي بالدعم الغربي للحكومات الحالية وبتقسيم المسلمين إلى تطرف واعتدال وإلى عصري وتقليدي.
(ح) المؤثرات التي شكلت العلاقة بين الإسلام والغرب:
– من جهة الغرب:
1. فهم الغرب للدين: الصراع التاريخي للغرب مع الكنيسة وما انتهى إليه من علمانية خضع لها كلاهما أثر إلى حد كبير على تناول الغرب لمسألة الدين عموماً.. ففهم الغرب للدين مغاير للفهم الإسلامي للدين.
2. استقاء المعلومات عن الإسلام من مصادر غير أمينة: المختصون في الشؤون الإسلامية والمفكرون والإعلاميون في الغرب يستقون معارفهم من ضميمة ما كتبه المستشرقون، وهي في معظمها تعكس صورة سلبية عن الإسلام.
3. نظرة الغرب لفهم المسلمين للعلاقة مع غيرهم:
يرى الغرب أن المسلمين ينطلقون من منطلق التباين العقائدي والثقافي في تعاملهم مع الآخرين حتى على المستويات السياسية والاقتصادية، في حين أن السائد اليوم هو التعامل القائم على المصالح؛ لأن التفاوض عليها ممكن، بينما التفاوض على العقائد والثقافة أمر مستحيل الحدوث.
4. الغرب لا يملك تصوراً حديثاً صحيحاً لدولة إسلامية وذلك لغياب النموذج، وكل الذي لديه عبارة عن معلومات تاريخية مشوهة عن حكومات إسلامية قديمة أو أمثلة قياسية محرفة (كتجربة إيران مثلاً).