الصادق الرزيقي

عودة علي الحاج


> قبل أربعة أعوام، كنا والأخ الكريم عضو البرلمان صلاح عبدالله علي، مع الدكتور علي الحاج في شقته في بلدة (بادغوديزبيرغ) قرب مدينة بون في ألمانيا، من محطة القطارات سرنا على أرجلنا مسافة طويلة مع الرجل حتى شقته التي يعيش فيها مع أسرته، وهو في مهجره البعيد، جالسناه من منتصف النهار حتى أرخى الليل سدوله وانتصف الليل قبل أن نعود مرة أخرى الى محطة القطارات لنركب قطاراً ليلياً خالياً إلى مدينة (دوسلدورف) حيث كنا نقيم..
> لم تخل الجلسة التي قضيناها معه وامتدت لساعات طويلة، من حديث عن عودته للبلاد وتوقيتها ودواعيها، ولم يخفِ هو شوق مقيم بين أضلاعه للوطن وللأهل والأصحاب، غير أنه في تلك الأيام كان ينظر إلى الواقع السياسي في الداخل بنوع من الحذر والقلق والجزع، وربما نوع من عدم الثقة، حيث لم تكن الحكومة يومئذ تصانع معارضيها أو تمد إليهم أياديها البيضاء من غير سوء كما يحدث الآن، وبالرغم من أن لديه نقاط ذات قدر كبير من الأهمية بالنسبة له تمنعه العودة، إلا أنه أبدى رغبة، بل حملنا رسالة شفهية للرئيس البشير باعتباره صاحب القرار الأول نبلغها له عند عودتنا في حال التقيناه، بما يراه من شأن الإصلاح السياسي وربح الزمن والوقت من أجل وفاق يجمع السودانيين وينهي الحرب ويعجل بالسلام والاستقرار، ويقطع دابر المؤامرة الدولية على السودان، وهنا لابد من الإشارة إلى أن د. علي الحاج لا ينبئك خبير مثله عن هذه المؤامرة، فهو يعرف خفاياها وأساليبها وصناعها وخوافيها.. ولم تكن لديه أية مطالب ذاتية تمنعه من الرجوع سوى قناعاته بأن القانون يجب أن يحترم. فقد كانت هناك أكثر من تسعة عشر بلاغاً جنائياً مفتوحاً ضده أمام القضاء السوداني بدعوى مشاركته في الهجوم على الفاشر في 2003م، وقد نصحه محاميه في ألمانيا بالتريث إلى حين شطب تلك البلاغات او تجاوزها.
> ووصلت رسالته لمقصدها في الخرطوم عند عودتنا من تلك الرحلة، ولم يغب علي الحاج عن الشأن السياسي بمتابعاته الدقيقة، حواراته الصحافية ولقاءاته مع عدد كبير من المسؤولين الذين يزورون ألمانيا خاصة لقاءه الشهير بالنائب الأول السابق الأستاذ علي عثمان محمد طه في العام 2013م في برلين، وظل يقوم بمهامه كنائب لأمين عام المؤتمر الشعبي من منصته بالخارج، ويقود اتصالات كثيرة عبر عواصم غربية وعربية، ويلتقي بالدكتور الترابي عند زياراته الخارجية سواء أكانت لقطر أو باريس او أي مكان آخر.
> وكل من التقى به يشعر بتطور كبير وهائل في مواقفه السياسية وانتقاله إلى مربع لا يقع داخل الأطر الحزبية الضيقة، ولم تعد المرارات السابقة تمثل له الكثير حتى يحبس نفسه داخل أقفاصها، وأكثر من مرة عبر عن رغبة عميقة في دفع الحلول بقدر ما يستطيع من أجل وقف الصدام والقتال في دارفور والمنطقتين، وتمهيد الطريق بشكل إيجابي في العلاقة مع دولة جنوب السودان، منطلقاً في ذلك من تصورات ودوافع خاصة به قبل أن يبلور المؤتمر الشعبي نفسه مواقفه الجديدة من الحوار والتقارب مرة أخرى مع المؤتمر الوطني وتوجهات الترابي في البحث عن نقاط التلاقي مرة أخرى للإسلاميين وتياراتهم المختلفة.
> بالأمس أعلن الدكتور علي الحاج في حوار مع (قدس برس) أنه تلقى دعوة شخصية من الرئيس للعودة إلى السودان، وهي خطوة متقدمة لها ما بعدها. فالسيد الرئيس أوفى بما وعد به من قبل، وقدم الدعوة ولابد أن تكون قد سبقتها معالجة ذات طبيعة سياسية وقانونية أزاحت الموانع من طريق علي الحاج، وبقي أن يحدد هو متى عودته وزمانها.
> ولعل الساحة السياسية السودانية، ظلت تفتقد رجلاً مثله، سياسي من الطراز الأول، يعرف دهائيات السياسة وفنونها، بل من القلائل الذين يجيدونها، وصاحب تجربة وخبرة وعلاقات، قلَّ أن تتوفر في كثير من أترابه وأقرانه والجيل الذي تلاه، وستكون له إضافة حقيقية تنقل مشهدنا السياسي كله من حالة الركود والسكون وقلة المبادرات إلى حيوية جديدة لما عرف عنه قدرة لا يشق لها غبار في مجال التواصل السياسي والاجتماعي، والصراحة والوضوح في مضمار العمل العام..
> على الدكتور علي الحاج، أن يحزم حقائبه وعليه العودة فوراً إلى سربه وإخوانه وأصدقائه، فالبلاد تنتظر منه الكثير، وبإمكانه أن يسهم مع الجميع في صناعة واقع سياسي يعيد الانتعاش لوطن مثخن بالجراح، وبإمكانه العمل على جعل المخاض الراهن يعجل بولادة ما نتمناه من مقتضي الحوار الوطني ونشهد ميلاد الاستقرار والسلام..