زهير السراج

التدشين الرسمى للدقير !!


* لم أتوقع أبداً أن تمنع السلطات قيام المؤتمر الصحفي الأول لرئيس حزب المؤتمر السوداني الجديد عمر الدقير بحجة عدم الحصول على تصديق، فهو ليس ندوة أو تجمعا جماهيرياً أو ليلة سياسية أو موكباً أو مظاهرة أو أي نشاط آخر مشابه يتطلب نوعاً من التحضيرات والتجهيزات الأمنية لحفظ النظام وضمان عدم حدوث فوضى حتى تمنعه السلطات بحجة عدم الحصول على تصديق، وإنما مجرد مؤتمر صحفي تحضره مجموعة محدودة من الصحف وأجهزة الإعلام وتسجل ما يدور فيه وتعكسه لمتابعيها بما تعارف عليه الناس من شكل وطبيعة المؤتمرات الصحفية، عكس اللقاءات والتجمعات الجماهيرية التي يمكن أن يحدث فيها انفلات أمني في أي وقت ولأي سبب الأمر الذي يتطلب وجود احتياطات واحترازات أمنية مسبقة تفرضها القوانين وتلتزم بها السلطات في كل دول العالم ولا يمكن أن يحتج عليها أحد!!
* كما أن المكان المعلن لإقامة المؤتمر الصحفي ليس ميداناً عاماً أو شارعاً أو مكاناً مفتوحاً أمام العامة، وإنما مركز للتدريب الصحفي وهو (مركز طيبة برس) بكل ما عُرف عنه من تنظيم دقيق ومهنية عالية في احتضان واستقبال وإدارة الأنشطة التي تقام فيه، وقد أقيمت فيه آلاف الفعاليات منذ سنوات بدون حدوث أي نوع من الخروج عن النظام، أو حتى حدوث ما يمكن أن يخدش (هيبة) أو (كرامة) النظام، ومنها مؤتمرات صحفية شبيهة بالمؤتمر الممنوع مثل المؤتمر الصحفي للجنة الوساطة لإطلاق سراح الصادق المهدي إبان اعتقاله الأخير، والمؤتمر الصحفي للجنة دعم إبراهيم الشيخ أثناء فترة اعتقاله، والمؤتمر الصحفي لمجموعة الـ(16 ) المنشقة عن الحزب الاتحادي الديمقراطي!!
* كل هذه المؤتمرات الصحفية أقيمت بدون الحصول على تصديق، رغم اقامتها في أوقات كانت فيها الحريات العامة مقيدة تماماً بما فيها الحريات الصحفية وحق التعبير، وقال لي في حديث هاتفي الصحفي الكبير ورئيس مجلس إدارة المركز الأستاذ محمد لطيف إن معظم انشطة المركز تُقام في إطار التدريب الصحفي، ولا يُسمح بحضورها إلا للصحفيين والمدعوين، وليس هنالك أي مجال لحدوث أي نوع من الفوضى أو الخروج عن النظام، وهو لا يرى أي سبب لمنع قيام المؤتمر الصحفي الذي كان هدفه الرئيس تقديم رئيس حزب المؤتمر السوداني الجديد للإعلاميين والصحفيين، أي أنه مؤتمر احتفائي وتعريفي في المقام الأول وليس شيئاً آخر، وأن المنع جاء خصماً على أجواء الحريات والحوار الوطني الذي تشهده البلاد، وهذه حقيقة، بل إن المنع يقدح في مصداقية الحوار ويشكك في الأهداف الحقيقية لقيامه، إن لم تكن إشاعة الحريات العامة والاعتراف بالرأي الآخر وتفكيك النظام الشمولي وإقامة الديمقراطية في البلاد !!
* إن أضرار منع مثل هذه الأنشطة قد تكون أكثر فداحة من أضرار السماح بقيامها لو حدث منها ضرر، فكل الصحف وأجهزة الإعلام والمنظمات العالمية تتحدث الآن عن منع المؤتمر الصحفي لرئيس حزب المؤتمر السوداني وتعده انتهاكا صارخاً لأبسط الحريات يؤكد ما ظلت تقوله عن انعدام الحريات في السودان، وعدم صحة ما تقوله الحكومة السودانية عن انفراج الحريات في البلاد، وتكمن خطورة ما تقوله الصحافة العالمية أنه يسجل فوراً كنقطة سوداء في سجلات الحكومة السودانية لدى الآخرين، ويُعتمد عليه في اتخاذ مواقف سلبية من الحكومة السودانية، ويؤثر عكسيا على مجهوداتها في تحسين صورتها ورفع الضرر عنها، وأبسط مثال ما تقوم به الحكومة من جهد هذه الأيام لإقناع الأمريكان برفع العقوبات عن السودان، ومعظمها تتعلق بانتهاكات لحقوق الإنسان في السودان ومنها حرية التعبير، فكيف يتأتى أن تسعى الحكومة لرفع هذه العقوبات، بينما ترتكب المزيد من الانتهاكات في نظر الآخرين؟!
* ومن الطريف أن كل ما كان سيقوله الرئيس الجديد لحزب المؤتمر السوداني في اللقاء الصحفي التدريبي الممنوع، يقوله الآن في لقاءات مباشرة مع الصحف وأجهزة الإعلام، بل إن التعريف الذي وجده من منع مؤتمره الصحفي أكبر بكثير من التعريف الذي كان سيجده بعقد المؤتمر، فما الذي استفادته السلطات من منع المؤتمر الصحفي غير الانتقادات وتعتيم الصورة أكثر، ووضع المزيد من الأقواس حول النوايا الحكومية؟!