مقالات متنوعة

محمد لطيف : بل.. كان صحافيا


(حين يتصل بي الأستاذ والصديق محمد عبد السيد أبرز مديري التحرير في سونا مبكرا فأنا أتوقع أحد احتمالين.. إما أن ثمة معلومات خاطئة نشرتها ويجب تصحيحها.. أو أن ما نشرته أثار كوامنه فأراد أن يبرني وقرائي بمعلومات إضافية.. هذه المرة جمع محمد الحسنيين.. وأترككم مع رسالته التي رجوته أن يكتبها دون أن أتدخل بحرف..!)
تطرق الأستاذ محمد لطيف في الحلقة الثالثة من التحليل السياسي الذي حمل عنوان فتح الحدود من وراء الكواليس يوم الخميس المنصرم إلى نزر من سيرة وزير الإعلام في عهد مايو السيد بونا ملوال وقال: (هل تنسى الخرطوم أنه وفي صبيحة الجمعة 2 يوليو 1976 حين كان أهل الخرطوم منقسمين بين نائمين وهائمين لا يعرفون ما يحدث من حولهم وعدو غير معروف حتى تلك اللحظة على الأقل يهاجم الخرطوم هل ينسون أن بونا وحده ومعه ساعٍ فقط تحمل عبء الدفاع عن الخرطوم)؟ الحدث الذي يشير إليه الأستاذ لطيف هو ما عرف إعلاميا وسياسيا حينها بالغزو الليبي المندحر أو المرتزقة، وتم تعديل المسمى دون جدوى بعد انتفاضة 85 إلى الانتفاضة المسلحة.
ما استوقفني في الفقرة التي اقتبستها من التحليل أن ساعيا كان إلى جوار بونا عندما كان يدير المعركة الإعلامية والسياسية من مباني وزارته، والحقيقة أن الموصوف بالساعي هو الزميل الراحل صديق الثورة الأريترية محمد عبد الرحمن محمد صالح الصحفي بإدارة الأخبار العالمية بسونا، فقد كان فجر ذلك اليوم في مطار الخرطوم لتغطية عودة الرئيس الراحل نميري من باريس، وعندما انطلقت القذائف في المطار وهرب مسؤولون بلا هدي، وتنكر آخرون بزي عمال المطار شق بونا طريقه إلى وزارته وفقا لرواية الأستاذ مصطفى أمين مدير وكالة السودان للأنباء بينما اصطحب صالح عددا من الإعلاميين بينهم أمين إلى منزل الأسرة بالسجانة، وعندما أشرقت الشمس استقل دراجة هوائية ليجوب الخرطوم في مغامرة غير محسوبة لمعرفة طبيعة الحدث، وكان من بين المواقع التي زارها وزارة الإعلام ثم مباني الوكالة التي كان دائما يبيت فيها عدد من فنيي اللاسلكي وأجهزة استقبال وكالات الأنباء العالمية، وكانت الوكالة مرتبطة بمكاتبها في الأقاليم بأجهزة لاسلكي حديثة، وتفتق ذهن بونا وأمين ومعهما صالح (همزة الوصل) على إرسال بيانات وتقارير حول طبيعة الحدث وتطوراته لإذاعة جوبا عبر هذه الأجهزة لتبثها كبديل متاح رغم محدوية التغطية الجغرافية، وكانت مهمة صالح المساعدة في صياغة البيانات في مكتب الوزير ثم الانطلاق بها بدراجته في الشوارع الخالية حتى من القطط نحو الوكالة، بينما كان القناصة متمركزين في عدد من الأبنية التي يمر من أمامها إلا أنهم لم يعيروه اهتماما ربما اعتقادا منهم أنه مجرد فضولي (وهو ما حدث لي برفقة زميلي الراحل حامد وافي) وكان صالح يعود لبونا حاملا تقارير سرية تبعث بها حكومة الإقليم الجنوبي عن استعداداتها لمجابهة الحدث. وأعتقد أن كلمة (ساعي) التي استخدمت لوصف هذا الزميل هي ترجمة غير دقيقة من الإنجليزية لكلمة مرسال (المشي وجا). وكان صالح يقوم بهذه المهمة متطوعا لسببين أحدهما راجع لشخصيته المحبة للمغامرات القاتلة (حكم عليه بالإعدام في إثيوبيا هيلاسلاسي لعلاقته بالثورة الأريترية) والثانية امتنانه ومحبته لنميري الذي أنقذه من السجن في انتظار الموت البطيء في كهوف استخدمت للزج بمعارضي إمبراطور إثيوبيا، وقصة إنقاذه وحدها طويلة لا تحتملها هذه المساحة. ولاحقا بعد 1985 عين نميري الزميل صالح الذي كان مقيما بمصر مستشارا إعلاميا له في المنفى. رحم الله الملك كما كان يحب أن يكنى والتحية والتقدير لبونا الذي شهدت أجهزة الإعلام الحكومية في عهده وبتحريض مستمر منه حرية أكبر نسبيا (طبعا).
إضافة أخيرة للتاريخ؛ بينما اختفى غالب المسؤولين كان هناك بالتوازي مع بونا اللواء محمد الباقر أحمد النائب الأول يقود العمل العسكري من القصر واللواء عمر محكر مدير مكتب نميري الذي انضم منتصف النهار لتجميع الضباط من منازلهم (الحدث كان يوم جمعة) واللواء خليفة كرار الجانب الأمني. وبقي بونا وصالح يمارسان مهمتهما تلك وحدهما لثلاثة أيام.
محمد عبد السيد