سعد الدين إبراهيم

النيل الأبيض.. الأزرق والوردي


تبقى أسبوع ونيف وتطل ذكرى رحيل فرع نهر النيل الثالث “محمد وردي”.. ولفت نظري التقرير الضافي الذي أعدته النابهة (هبة صلاح) في الملف الفني لصحيفة (المجهر السياسي) يوم (الخميس) الماضي.. و”هبة” صغيرة السن وتستقي بعض معلوماتها من المراجع المكتوبة والتي تنقصها الدقة.. منها أن وردي غنى بعد خلافه مع مايو أغنية تقول (لاك فارسنا.. لاك حارسنا) وهذا ليس صحيحاً، البيت الذي كتبه شاعر الشعب “محجوب شريف” كان يقول(والله لا فارسنا لا حارسنا كنا بنكتب لو يوم رجع مايو ونسى). وهي تختلف عن كل ما يشاع إذ يبدو ركيكاً ولا يشبه لا وردي ولا محجوب شريف.. أيضاً ذكرت قصيدة عامل عنتر وراكب الهنتر وهي أرجوزة شعبية بسيطة لم يكتبها محجوب ولم يغنها محمد وردي ولم تكن (لنميري) إنما لأحد رموز حكمه المايوي.
راجت افتراءات كثيرة عن تعالي وغرور (وردي) وهذا ليس صحيحاً.. كان وردي صريحاً في قول رأيه ولا يخاف مهما بدأ فيه من تجريح ولكنه لم يكن متعالياً ولا مغروراً..
وأذكر أنه كان لا يرد صحافياً ولا صحافية ولا متدرباً ولا متدربة بل يجلس إليهم ويقول لهم ما يريدون.. وقد لاحظت أن تحرير تلك المقابلات معه تفتقر في بعضها إلى المهنية وسلامة التعبير في الغالب. وكانت بيني وبينه مودة كبيرة..فقلت له: لا تتحدث مع كل من هب ودب.. يجب أن يحاورك رؤساء التحرير وبالأحرى رؤساء الأقسام الفنية فقال لي:- رؤساء التحرير ما يجوني.. يجوني ديل أنا بتكلم معاهم.. وأذكر أن وردي كان يعول على العمل النقابي.. ولكنه لم ينل أصواتاً تذكر في انتخابات رئاسة اتحاد الفنانين (آنذاك) بسبب غيابه عن الوطن عند إجراء الانتخابات.. وبسبب الولاءات الجهوية التي اكتنفت الانتخابات آنذاك.. لكنه فكر في اللقاء المباشر بالجماهير وطلب منا ذلك فحددنا له ندوة بمركز شباب أم درمان.. وصادف أن مباراة مهمة بين فريقي الهلال والمريخ أعلنت في ذلك اليوم فخفنا على فشل الفعالية .. وطلبنا منه تأجيلها فقال بثقته المعهودة يعني إيه أنا ذاتي (هلال مريخ) وأقمنا الندوة والمذهل أن الحضور كان كبيراً ..
ونما إلى علمي أن بعض أدعياء اليسار من اليافعين قد اتفقوا على استفزاز وردي بالإساءة إليه لأنه تصالح مع المؤتمر الوطني، رغم عدم صحة ذلك فأفشلنا المخطط بأن جعلنا الندوة تقتصر على مساهمات المشاركين. وتغنى وردي حتى لا نعطي الفرصة لمن جاء للإساءة إليه.. وعندما أوضحت له ذلك بعد نهاية الندوة غضب غضباً شديداً وقال لي: كنت أتوقع ذلك وأنا مستعد للرد عليه لقد فوتم علي فرصة. وقال لا تخافوا عليّ فأنا مستعد دائماً لأي نقد مهما كانت فظاظته.. ظل حتى وفاته يحلم بمشروع ندوة راتبة عن الغناء ونقده يكون قوامها بجانبه عدد من المختصين اخترحهم رغم خصومته مع بعضهم.. مثل الموسيقار أنس العاقب الذي ظل يتربص به وربما لا يزال ومثل شاعر الشعب “محجوب شريف” الذي أعلن مقاطعته له: عموماً كان وردي عليه رحمة الله يحلم بمشاريع كبيرة لم يحققها فقد انتقل إلى رحمة مولاه.. وترك الأغنية السودانية أرملة حزينة .. يتيمة نحن إلى أبوته الشماء.