مقالات متنوعة

عبد المنعم مختار : أرجل العنكبوت


«أمونة» كانت تغسل الأزهار بماء العطر حتى يكتسي البحر بألوان المرايا.. حملت إليه لوحة سلفادور دالي وهو يشعل النار على ظهر الزرافة ولماذا يبحث عن أصل الخرافة.. وحملت له لوحة بيكاسو الذي تشجب في عالمنا كل الحروب.. ولا يزال الجوع الذي يكمن في كل الدروب.
« المقبول» تفرس في اللوحات السريالية وضحك حتى استلقى على قفاه وهو يضرب برجله في الهواء وعمد إلى قلم الرصاص وشخبط على الورقة ورسم شجرة بفهم تجريدي.. السودان أصبح مثل كعكة العيد يريد أن يتقسمها الجميع..
أمونة هالها منظر المقبول وعيناه الغائرتان في هوة سحيقة لم تدركها معنى شحنة لأن أقدارنا التي رسمت المنعطف.
وأشعارنا تجاوزت وطن الجدود نفديك بالأرواح تجود.. تحتاج أن نبكي بقسوة لأن جراحاتنا نداريها بالدموع كأضعف الإيمان ربما لأننا لا نملك غيرها .. فالوطن لا يستحق منا الهوان
فابقى هنا في ترابك اشرب حزني
كما النخل حين تهب الرياح
يقاوم يسخر من عاليات الخطوب
فأنا واحد من بقية جيل
مضى في طريق الصبر غير هيوب
بتنا نبحث عن الوحدة في الدروب.. كانت هنالك رايتها تتنفس الحصباء تشرب من سراب الأمنيات.. مشلولة الأطراف جمدها الاسي الشوكي حين أعارها قلباً يحس بكل نبض العار مطبوعة على البلور في كل العيون الخائفة.. رحلت أمونة لأن قلبها كان أكبر من مقبول.
امونة
معاي ساعة افتح الدكان
معاي في البص علي امدرمان
«مقبول» شاب لا يحترم التفاصيل بسبب داء الكسل انقسام الوطن الذي كان يمثل لديه ما تفوه به الشاعر الروسي من عبارات ضحلة «تبصق» على تاريخ طويل صنعته السيوف والأسلحة البيضاء والمواقع التي رسمها نعوم شقير بخطوط وهمية.. وكانت معارك سالت دماؤها من العنفوان والبطولات.. «المقبول» كان يضحك حتى يستلقى على قفاه لأن «أمونة» كانت تبعث له الصحف كل صباح وهو لم يتعلم القراءة بعد.. بل كان يتمعن في الوجوه الكئيبة ويضحك.
٭ ميكوفسكي الشاعر الروسي عندما نزع الفكرة من فتيل العاطفة سقطت أشعاره في «مضمورة» الضحالة.. وعندما جعل كلماته بوقاً لرعاية الحزب والخطط الخمسية للحرب داست عليه خيول الرتابة بحوافرها..
كل الأدب الروسي في الفترة الستالينية كان متجهاً للفكرة الاستيطانية فوقع حمار شيخهم الاعرج في جب المحاولة الساذجة.
وعندما تجرد الأدب في ثوراته السياسية تحرك إلى القمة وعرفنا العمالقة مثل بوشكين ودستوفسكي قصدت من ذلك أن انشطار التجربة الآنية السودانية بين الشمال والجنوب كانت قسمة ضيزي بين الرغبة والنفط.. بين الاستقرار الواقف على رجل واحد.. وبين التمزق الذي يقف على أرجل العنكبوت.