منوعات

الصفوف تمايزت بين فصائل التحرير والعدالة دارفور.. الاستفتاء يقدح جذوة الاستقطاب


يبدو أن استفتاء دارفور الإداري، لن يكون مثل طقس هذه الأيام البارد، فقد رفعت فصائل التحرير والعدلة، من خلافاتها مجدداً، ما يعني صعود حرارة المشهد السياسي إلى درجة الغليان. وما يدعم هذه الفرضية أن الاستفتاء الإداري لدارفور يأتي في ظل صراع معلن بين حزب التحرير والعدالة القومي بزعامة الدكتور التجاني السيسي وحزب التحرير والعدالة بزعامة بحر إدريس أبوقردة.

قمة الخلافات

معلوم أن الخلافات بلغت ذروتها على إثر اقتحام بعض منسوبي حزب التحرير والعدالة منصة تدشين مشروعات إعمار دارفور، التي احتضنها فندق السلام روتانا، قبل شهور خلت. فضلاً عن الصراع الكبير حول أموال السلطة، وهو ما أسهم بصورة مباشرة في انشقاق التحرير والعدالة إلى حزبين يتزعمهما السيسي وأبوقردة.

حسناً، فقد ألقت كل تلك المتغيرات على مواقف الرجلين، ما أوجد تبايناً في الرؤى من استفتاء دارفور الذي أقرته وثيقة الدوحة، حيث عقد الطرفان مؤتمراً صحفياً لتبيان مواقفهما. والناظر إلى الأمور سيجد أن التجاني السيسي خرج إلى الناس وأعلن من خلال مؤتمر صحفي عقد قبل يومين، أنه يساند خيار الإقليم في الاستفتاء المرتقب. وهو ما حدا بغريمه بحر إدريس أبوقردة لكي يخرج إلى الناسن وذلك بعد يوم واحد فقط من ظهور السيسي، ليقول إن حزبه يبارك الابقاء على نظام الولايات الحالي في دارفور. وهي الخطوة التي توقعتها مكونات دارفورية كثيرة، على اعتبار أن طبيعة الخلاف بين سيسي وأبوقردة تشير إلى ذلك، بل إن كثيرين خمّنوا أن بحر أبوقردة سيخرج إلى الناس ليقول للسيسي أنا موجود، وذلك من خلال ركوبه بارجة الاتجاه المعاكس، وهو ما يعني عودة الملاسنات الكلامية والتراشق بالتصريحات مرة أخرى.

مواقف مربكة

التباين الكبير في رؤى السيسي وبحر أبوقردة، دفعت بعض المراقبين إلى التأكيد بأن مواقف الرجلين تغلُب عليها شخصنة القضية وتحويلها لصراع نخب بدلاً من العمل من أجل مصلحة أهل دارفور، وهنالك من يخشى من أن يكون هذا مؤشراً جديداً لعودة دارفور لمربع الصراع الإثني تحت مظلة الاستفتاء. الشاهد أن أبوقردة وصف مواقفهم بأنها ليست بالمقدسة وأنها يمكن أن تتغير وفقاً للمعطيات والراهن. وهو ما يفتح الباب عن الأسباب التي دفعت الرجل ليطالب بالابقاء على نظام الولايات، بعدما كان يطالب سابقاً بانتهاج نظام الإقليم الواحد. وهنا يقول بحر إدريس أبوقردة إن تراجعه عن المطالبة بخيار الإقليم الواحد يعود إلى ما لحق بمؤسسات السلطة الإقليمية من فشل ذريع بسبب الممارسات غير السليمة في اداء السلطة التي أدت إلى عدم تحقيق تطلعات أهل دارفور، فضلاً عن عجز السلطة في تقديم نموذج من حيث تحقيق العدالة الاجتماعية وإعادة الإعمار والتنمية وتوفيق أوضاع النازحين واللاجئين. وقال أبوقدرة إن مواقفهم ليست مقدسة، فالمواقف السياسية تتخذ وفقاً لرغبات المواطنين ورغبة القواعد، لهذا جاء موقفهم بناءً على التشاورات الواسعة التي أجراها الحزب مع قواعده والأحزاب السياسية، وبعد الجلوس مع النازحين على مستوى ولايات دارفور الخمس.

مطلب قديم

وفي ذات السياق يقول المحلل السياسي دكتور النور جابر لـ(الصحية) إن اتفاقية الدوحة أقرت مسألة الاستفتاء الإداري لدارفور بعدما طالبت به حركة التحرير والعدالة قبل الانقسام، ولكن الخلاف الذي ضرب جسم السلطة الإقليمية أدخل بعض الأجندات السياسية والقبلية وضرب النسيج الاجتماعي. وقال إن الصراع بين السيسي وأبوقردة هو ترجمة لهذا الواقع المرير الذي يعيشه أهل دارفور. وأكد النور أن هذه الصراعات أثرت حتى على جسم السلطة الاقليمية، وانعكس في المواقف المتناقضة للشريكين السيسي وأبوقردة، وبالتالي انقسم الجسمان في رؤيتهما حول الوضع الإداري لدارفور، السيسي بين مناصر للإقليم ومساند للولايات، وهو ما ألقى بظلال سالبة على الوضع الاجتماعي بدارفور في ظل الاستقطاب السياسي بسبب قرب أجل الاستفتاء.

ولفت جابر إلى أن ذلك يأتي في حين أن أهل دارفور لم يتحرروا من قيود القبلية والعشائرية، وقال إن انقسام الطرفين ينتج عنه رؤية سالبة للاستفتاء الإداري لدارفور، وهذا يعتبر مؤشراً خطيراً على البنية الهشة لمجتمع دارفور الذي ما زال متأثرًا بالصراعات القبلية.

أزمة نخب

وأضاف المحلل السياسي دكتور النور جابر أن المشكلة ليست في مجتمع دارفور، لكن المشكلة تكمن في السياسيين المثقفين من أبناء دارفور في الداخل والخارج. منوهاً إلى أن مطالبهم تبدأ بقضايا دارفور العادلة، ولكن سرعان ما ينحرفون إلى طموحاتهم الشخصية، وهذا يظهر جلياً في كل حركات دارفور التي وقعت على السلام منذ اتفاقية أبوجا وحتى الدوحة، وأضاف: نرجو من الذين يتحدثون باسم دارفور أن يضعوا قضايا التنمية والعدالة الاجتماعية بدارفور على الأطماع الشخصية والمنزلقات السياسية الضيقة التى تعيد الصراع في دارفور لنسخته الثانية بوجه قبلي جديد في ثوب سياسي.

الضفة الأخرى

الموقف الذي اتخذه أبوقردة جاء مغايراً تماماً لموقف السيسي الذي دعا إلى تطبيق نظام الأقاليم في كل السودان على أساس التوازن والعدالة في تقسيم السلطة والثروة وفقاً لنظام الحكم الفدرالي في إطار الجمهورية الرئاسية. وأبدى رئيس حركة التحرير والعدالة القومي دكتور تجاني سيسي امتعاضه من تجربة نظام الحكم الحالى الذي اتسم بالجهوية والقبلية وعلوها على الروح الوطنية القومية، مما أدى إلى إهمال تام لمستوى الحكم المحلي من حيث ضمور الموارد وضعف الصلاحيات والسلطات للحكم المحلي، معتبراً أن ذلك خطر يهدد وحدة السودان أرضاً وشعباً.

وطالب السيسي بضرورة التخلي عن الاستقطاب القبلي والسياسي لتحقيق المكاسب الشخصية أو القبلية أو السياسية وخاصة الذين ينادون بالابقاء على الولايات الخمس في دارفور. وقال السيسي إن التقسيم الحالي للولايات في إطار الإقليم كمكسب يجب أن يُحترم إذ أن الهدف من تقسيم السودان ليس أقاليم بل الحد من الإنفاق الحكومي الذي ظل واحدًا من تشوهات ومشكلات الاقتصاد.

خطوة ضد المنطق

ومن ناحية أخرى يرى رئيس حزب حركة تحرير السودان القيادة العامة ورئيس مجلس حركات دارفور آدم علي شوقار، أن الاستفتاء المزمع إجراؤه غير مجدٍ وخاصة أن كافة قضايا الوطن الآن مطروحة أمام منضدة الحوار الوطني، وقال لـ(الصيحة) يجب عدم الاستعجال فى هذا الأمر لتفادي الآثار السالبة التي يمكن أن تنجم عن الاستقطاب السياسي الذي يحدث حالياً. مؤكدًا أنهم مع الرأي الذي ينادي بالولايات، وذلك تقصيراً للظل الإداري فضلاً عن أن الولايات يمكن أن تساهم في مشاركة كبيرة لأبناء دارفور في السلطة، وقال إن أحزاب التحرير والعدالة ليس من حقهم أن يقرروا في مصير دارفور لوحدهم لأنهم لا يمثلون شعب دارفور، وهم في نفس الوقت نسبة قليلة من الحركات الموقعة على السلام بدارفور وهنالك أكثر من 20 حركة موقعة، وعندما يأتي الأمر في قضايا دارفور المتمثلة في الأمن والسلام والاستقرار لابد من الأخذ بآراء الجميع وأصحاب المصلحة من النازحين واللاجئين، وأبدى شوقار بالغ أسفه لما أصاب الكادر السياسي من أبناء دارفور وخاصة الذين تحملوا قضية دارفور في شكل حركات مسلحة، ولفت إلى أنهم تقدموا بمبادرة لتوحيد جهود الحركات الموقعة تحت مظلة مجلس حركات سلام دارفور، لأن العزف على وتر القبيلة في هذا الزمن يزيد الوضع تعقيداً، وأضاف أنه ضد أي حاجة اسمها سلطة إقليمية لدارفور لأنها تؤدي إلى تمييز مخل لدارفور في السودان وأي تمييز سينتج لما حدث لجنوب السودان، وطالب بحل السلطة الإقليمية وأن يتم تكوين مجلس قومي لسلام السودان تجمع فيه جميع قضايا الوطن وأطرافه في ملفات حتى لا يكون هنالك تمييز لأى جهة.

 

 

الصيحة