مقالات متنوعة

هنادي الصديق : فوضي الحوار المجتمعي


* رسالة تنبيه أنيقة من شرطة مرور الخرطوم، وصلت لمعظم هواتف المواطنين مساء أمس الأول تفيد بإغلاق شارعي الجمهورية والجامعة صبيحة اليوم التالي من الساعة العاشرة صباحاً وحتي الواحدة ظهراً، دون أن توضح الأسباب التي أدت لهذا الإجراء رغم (حضاريته).
* الإجراء أدي لتأجيل مصالح عدد كبير من المواطنين في هذا التوقيت، ورغم خروج معظم المواطنين من منازلهم بعد الساعة الثانية ظهرا إلا أن الأوضاع كانت اسوأ مما يتوقع أسوأ المتشائمين.
* شوارع حيوية مغلقة لساعات، زحمة لأرتال من السيارات تزحف ببطء في مختلف الإتجاهات، المئات يقطعون الكباري سيراً علي الأقدام، نساء وأطفال وكبار سن وشباب من الجنسين، يزحفون زحفاً والعرق يتصبب منهم، علامات الإرهاق والجوع والعطش ترتسم على وجوههم في دعوة صريحة للشفقة على هذه الحال، طرق صوفية مختلفة تزحف في طوابير الآلآف الذين يقطعون الكبري سيراً على الأقدام بشيبها وشبابها في طريق العودة ناحية بحري، وكذا الحال بالنسبة لمواطني مدينة أمدرمان وضواحيها.
* زحمة لم تشهد لها الخرطوم مثيلاً منذ سنوات، عشرات الورش والسمنارات والمحاضرات والزيارات وحتي السفريات تم إلغاؤها أمس بسبب هذه الفوضى المسماة مسيرة.
* كل هذه الفوضى قامت بها جهات نافذة تحت مسمى ختام الحوار المجتمعي بولاية الخرطوم، حيث أفادت الأخبار بأن لجنة ما يسمي بالحوار المجتمعي أكملت أعمالها ورفعت توصياتها إلى السيد رئيس الجمهورية في هذا اليوم.
* لنا رأي كبير في هذا الحوار المصغر والمنبثق من المسرحية السخيفة التي تدور هذه الايام والمسماة بالحوار الوطني، وسبق أن كتبنا رأينا الواضح في هذه المساحة مراراً، ولكن اليوم تأكد لبعض المتشككين أن ما يسمي بالحوارين المجتمعي والوطني ما هي إلا (لعبة كبيرة) تم حشر المواطنين البسطاء في وسطها حشراً.
* لجنة حوار إجتمعت ورفعت توصياتها لقمة الدولة، ما الداعي لتعطيل مصالح البلاد والعباد بإستعراضات لا معنى لها ولا داعي لها، وماذا كان يضير أهل اللجنة المعنية بأن يكون رفع التوصيات بوسيلة أكثر إحتراماً لعقول المواطنين وإحتراماً لوقت العمل وحقوق المواطنين، بأن يكون التسليم بـ(مهرجان مصغر)إن كان الامر ضروريا ومدعاة للشوفونية ولفت النظر الأشتر.
* هذا الإحتفال (غير المبرر) من وجهة نظري ونظر الكثيرين يفرض العديد من الأسئلة ويرسم العشرات من علامات الإستفهام في أذهان أي شخص طبيعي يعيش وسط هذه الأجواء غير الطبيعية للسودان.
* وأول هذه الاسئلة وأهمها، كم صرفت الدولة علي مايسمي بالحوار المجتمعي لأن (الحوار الوطني) يتحدث عن نفسه من خلال الصحف يومياً؟؟ وكم صرفت علي مسيرة الأمس والإحتفال الذي أهدر الوقت والمال والجهد للسواد الأعظم من سكان العاصمة المثلثة؟
* دعوني أكفيكم عناء الإجابة بالتأكيد علي أن هذه البهرجة السياسية، قام بها نفر ينشد الرضا من قيادة الدولة، و(يرمي لي قدام) بحثاً عن منصب أو وضعية جديدة في الحكومة القادمة أياً كانت قومية أو إنتقالية كيفما شاءت الإرادة العليا.
* البعض الآخر يبحث عن ملايين يسد بها حنكه، ولا مجال له (للهف واللغف) إلا من خلال هذه المهرجانات الفطيرة.
* مسيرة لا معنى لها إلا للتأكيد علي هشاشة النظام الحاكم، وترنحه ، ظنا من بعض المتفائلين أن مثل هذه التجمعات تؤكد علي إلتفاف المواطنين حول النظام، وهي أكذوبة كبيرة يعيش فيها معظم المسؤولين ويصدقونها في ذات الوقت، والحقيقة هي أن الذين خرجوا في هذه المسيرة نوعين فقط، إما بسطاء جداً، ويبحثون عن حق كيس الرغيف، والبعض الآخر (قاطع برنامج) بعد أن إستعصت البرامج الترفيهية علي المواطنين.
( صحيفة الجريدة )