مقالات متنوعة

عبد العظيم صالح : لا تقتل «شحاداً»


٭ قبل أعوام ذهبت لتقديم واجب العزاء في وفاة والدة سيدة أعمال شهيرة في الخرطوم..
٭ وبعد تقديم كلمات العزاء في الفقيدة جلست وأمامي كباية شاي، قالت لي سيدة الأعمال إن رحيل والدتها مر، وتحدثت عن دور الأم وعن بر الوالدين والاحسان إليهما حتي بعد وفاتهما، وقالت لي إنها براً بوالدتها فقد أقامت لها يوماً مفتوحاً للصدقة أحضرت فيه أشهر فرقة «مديح» في العاصمة، وأطنان من السكر والشاي واللبن والدقيق «والطشاته» التي امتلأت باللقيمات التي طافت أرجاء واسعة من العاصمة.
٭ حقيقة ذهلت من المبلغ الكبير الذي أنفق في اللقيمات والمداحين و«الساونات» والصيوانات، قلت لها بما يشبه الوعظ «هذا كله ما كان في ليهو داعي»، فقرت فاها دهشة و«غضباً»، وقالت كيف يا أستاذ مافي ليهو داعي أنا دايرة أتصدق لي روح أمي، قلت ليها هناك جوانب خير أنفع وأجدى، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (ولا تحقرن من المعروف شيئاً) ولكن يا سيدتي رسولنا الأعظم يقول خير الصدقة سقيا الماء.
٭ قلت لها هناك آلاف القرى في حاجة لتشييد بئر وتوجد مناطق متأثرة بحدة العطش يقضي سكانها جل يومهم في جلب المياه من أماكن بعيدة، فأيهما أجدى نفعاً «اللقيمات والمديح» لأمك يرحمها الله أم الذهاب لهؤلاء المساكين بهذه الأموال التي يمكن أن تكون صدقة جارية لوالدتك إلى يوم القيامة؟..
٭ استمعت السيدة لحديثي بمنتهى الاهتمام وقلت لها هناك منظمات متخصصة في مثل هذه الأعمال الخيرية وهي تقوم بهذا الدور نيابة عنك.
٭ تذكرت ذلك وأنا أحضر اجتماعاً مساء أمس لعدد من المنظمات الخيرية الوطنية، كان يدور حول جوانب من العمل التطوعي، ورغم أن الموضوع كان متخصصاً وفنياً أكثر من اللازم، إلا أنني أحسست بأننا في الصحافة والإعلام نهمل قطاعاً يقوم بأدوار كبيرة وانسانية تحتاج الجهد والمساندة والتعريف.
٭العمل الطوعي توجه عالمي وقيمة دينية واجتماعية عندنا كمسلمين في المقام الأول، وكسودانيين في المقام الثاني، فالشخصية السودانية جبلت على التطور وحب الآخر وتقديم المساعدة، والوقوف إلى جانبه.
العمل الطوعي والخيري أضحى توجهاً عالمياً فالحكومات لن تفعل شئ وحتى وأن قامت بدورها فعلى المجتمع إكمال الباقي ..
٭ قبل سنوات وجدت تحذيراً في أحد مطاعم لندن يقول لا تقتل شحاداً، وعندما سألت مرافقي عن معنى العبارة، قال لي إنها تدعو للتبرع للمنظمات لا للأفراد فالطريقة الأولى لتعلم الشحدة وتقتل الهمم… والثانية لا تجعل الفرد مضطراً لمد يده في الشارع..
نحن في حاجة لإشاعة مفهوم العمل الطوعي وتذليل عقباته فليسأل كل منا نفسه هل أنا عضو في منظمة طوعية؟ فإن كانت الإجابة سالبة فابحث عن أقرب منظمة طوعية لتنال الخير والثواب.