مقالات متنوعة

طه النعمان : سد النهضة.. أو «نيفاشا الثانية»! (1-2)


* نمَّ شاعر البطانة في زمن غابر يقول: الدهب أللصيل جايبنو من بني شنقول / قصة لقاك معاي زي قصة وجود الغول/ وا ألمي الشديد من خد أم حنانه بتول.
* عادت بي الذاكرة سنوات إلى الوراء عندما كنت حافظاً لقدر مهم من «الدوبيت»- مربعات الشعر البدوي- عندما طالعت تلك الإفادات المهمة والخطيرة للدكتور أحمد المفتي المستشار السابق لوزارة الري لهذه الصحيفة، والتي نفث فيها هواءً ساخناً كان قد حاك في صدره وحمله على الاستقالة ومغادرة موقعه تخففاً من مسؤولية المشاركة في عمل واتفاقات قد تشكل آخر اليوم جريمة في حق الوطن.
* شاعر البطانة.. أظنه الحاردلو.. وهو يتشبب غزلاً في محبوبته «بتول» شبه لونها بـ «دهب بين شنقول الأصيل» تعبيراً وجدانياً عن ثقافة عصره الذي عاش ووطنه الذي عرف.. ووفقت محررة آخر لحظة «أسماء سليمان» أن ابتدرت ذلك الحوار مع المفتي بسؤاله عن مدى صحة الحديث حول أن سد النهضة تمت إقامته على أراضٍ «سودانية».. وبرغم أن المفتي سارع إلى النفي.. من وجهة نظر قانونية بحتة عندما أجاب على عجل بالقول: لا لا.. حقيقة الأمر أن اتفاقية (1902) قضت بـ «تنازل السودان لأثيوبيا» عن منطقة بني شنقول التي يقام عليها السد حالياً، وبالمقابل أن لا تقام أي منشأة على النيل الأزرق إلا بموافقة السودان.. وبالتالي فإن هذه الأراضي أصبحت تابعة لأثيوبيا.. ولكن الآن أثيوبيا امتلكت الأرض وتعمل على إقامة السد «بدون موافقة السودان فهي ربحت الاثنين معاً».
* كرجل قانون لم يهتم د.المفتي كثيراً بأن بني شنقول ذهبت إلى أثيوبيا.. بتصرف غير مأذون وغير شرعي، إلا بمنطق الاستعمار.. بعد أربع سنوات فقط من إعادة فتح السودان وإسقاط دولة المهدية.. ذهبت باتفاق بين قوتين استعماريتين بريطانيا وإيطاليا.. دون مقابل للسودان والسودانيين سوى القول بامتناع أثيوبيا عن إقامة منشآت على النيل الأزرق.. لكن الناظر بعين المؤرخ للنتائج المترتبة على ذلك الاتفاق يجد أن السودان جراء تلك الاتفاقية قد وجد نفسه في نهاية المطاف «بين قوسين» أو سدين يتحكمان في مصير أمنه المائي، سد عند أسفل حدود الشمالية بتفريط ظاهر من حكومة عبود العسكرية، هو السد العالي.. وآخر في أعلاه جنوباً بإهمال ولا مبالاة من العهد الحالي حد التفريط أيضاً.
* الجارة الشرقية أثيوبيا وصل بها حد الاستهتار ألا تفكر حتى في مجرد إخطار السودان أو الشريك الآخر مصر بنيتها وعزمها على إنشاء سد بهذا الحجم، دونما أدنى اكتراث لحقوق الجوار في نهر دولي.. لاعتقاد آثم بأن دولة المنبع لها الحق في التصرف في مياه ذلك النهر، لأن المياه تتجمع في أراضيها قبل أن تتجه غرباً وشمالاً، كما أراد لها الله منذ وضع الأرض للأنام.. فاعتمدت الدراسات ووقعت العقود منذ أبرايل 2011 والتاريخ لم يكن صدفة طبعاً، لأن مصر، والمنطقة عموماً، كانت لا تزال في معمان الربيع العربي واضطرابات الثورة المندلعة.. وبعد أن تم ترتيب كل شيء قامت أثيوبيا بعد شهر من ذلك «في مايو» بإخطار الشريكين الآخرين.. مصر والسودان بزعم مناقشة «الجوانب الفنية» «من باب رفع العتب» وتجنب رودود الأفعال المعترضة.
«نواصل»