مقالات متنوعة

محمد لطيف : على رأي الطاهر ساتي.. كجبار النقاش أولاً


فكرت في الكتابة عن دال وكجبار.. والتي يجتهد البعض في تحويلها لداحس وغبراء جديدة.. فلم أجد أفضل مما كتب الزميل الطاهر ساتي بالزميلة السوداني فإليكم.. م . ل
* ليس بالإجماع، ولكن – للأمانة – الكثافة المناهضة لبناء سدي دال وكجبار بأرض المحس هي الأكثر عدداً ثم الأعلى صوتاً.. ولأن سياسات الحكومة في كل قضايا رعيتها دائما ما تغلف الخدمة بالظلم، وبذلك تقتل الثقة في نفوس الناس، وتجعلهم لا يستبشرون خيرا حتى بالمشاريع التنموية.. ولذلك، رغم اختلاف المواقف بمناطق المحس، فالمؤيد لدال وكجبار يجد العذر لمن يرفضهما..!!
* فالأهل في ذاكرتهم تجربة السد العالي.. تلك التجربة التي ذاق مرارتها أهل حلفا، وذاق حلاوتها غير بني جلدتنا الذين نكثوا العهود والمواثيق، فلم تضيء قرية سودانية بكهرباء ذاك السد – كما قال العهد والميثاق – وكذلك تشرد أهل الديار إلى ديار غريب مناخها وترابها وثقافتها، وصار فيها النوبي – إلى يومنا هذا – غريب الفؤاد والثقافة واللسان.. وأهل دال وكجبار يتوجسون من هذا الحال والمآل..!!
* ثم تجربة سد مروي التي آثارها لا تزال سارية في نفوس المناصير.. فالأهل بالمناصير قابعون في صخورهم بلا خدمات، فقط لأنهم تقدموا للدولة ببعض المطالب المشروعة، ثم جاهروا ببعض التظلمات الواضحة لذوي الألباب والأبصار والبصائر.. لم يرفضوا السد، ولم يطالبوا بتوطينهم في أحياء الخرطوم الراقية، فقط طالب المناصير بتوطينهم حول بحيرة السد، ولكن الدولة بخلت عليهم بهذا الجوار، ثم عاقبتهم بالحرمان من حقوق الحياة..!!
* تلك تجربتان، وأحلاهما مر، ويتوجس منها أهل دال وكجبار، ولهم حق التوجس.. هم لا يرفضون تنمية وتطوير ديارهم، بل يحلمون بديار ذات نماء ورخاء يعود إليها النازحون والمهاجرون.. ولا يرفضون استبدال شقاء الحال إلى أحسن حال.. وكذلك يأملون في غد تتحول فيه قراهم المبعثرة ومدنهم اليابسة إلى مدن عريقة وقرى سامقة تحمي حضارة عمرها سبعة آلاف سنة من الاندثار والترحال.. وكل هذه الطموحات الخضراء حملها الأجداد في نفوسهم حتى ماتوا، ثم يحملها اليوم الآباء والأبناء هنا وفي المنافي..!!
* ومشروع تنموي كالسدود كان يجب أن يكون لهم بشارة خير لتحقيق بعض تلك الأحلام العريضة، ولكن – للأسف – حتى مشاريع الدولة التنموية لم تعد في بلادنا (فاتحة خير)، لأنها لا تخلو من لوث التسلط وغبار السلاطين وسياط أجندتهم السياسية.. فالتنمية حين تكون للإنسان تمشي لهذا الإنسان – بسيقان الخير – بسلاسة، ولكن حين تكون للسلطة والسياسة تكون النتائج قهراً وتعذيباً.. وليس من الحكمة أن تفرض الحكومة مشاريعها على الناس بمنطق القوة وليس قوة المنطق..!!
* فلندع الذين عبروا عن رفضهم لسدي كجبار ودال بمشكيله عبر مسيرة السبت الفائت، وكانت مسيرة (واعية)، بحيث لم تشتم زيداً من الناس أو تُكسر مرفقاً، بل عبرت عن موقفها الرافض للسدين بكل شجاعة ومسؤولية.. فلندعهم، ونسأل حكومتهم أسئلة ذات الصلة بالسدين.. أين دراسة جدوى السدين؟، وكم هي السعة التخزينية لخزانيهما؟، وما هي القرى المتأثرة بالسدين؟، وما مصير أهلها؟.. للأسف، لا إجابة إلا في دهاليز السُلطة وكأن المراد إنشاء محطات نووية وليست مجرد محطات كهربائية.. وعليه، بغض النظر عن أسباب الرفض الأخرى، فإن غياب الشفافية – ونقاشها الحر بين السلطات والمتأثرين – يعلو على كل الأسباب!!