هيثم كابو

درامات تقيلة


* إذا أردت الاستمتاع بدراما غنية ومختلفة فما عليك سوى مطالعة صحف الصباح أو دخول (الواتس آب) لتجد من الواقع ما يفوق الخيال، ومن الوقائع ما لا يخطر على بال..!!
* دراما بمعناها الحقيقي تسكن مفاصل الأحداث في بلادي، فما نقف عليه من حيثيات في قضايا السياسة والاجتماع والاقتصاد والجريمة لا تجده في النصوص الأدبية القديمة التي كانت تؤدى تمثيلاً في المسرح أو السينما منذ معرفة الناس لمصطلح (الدراما) المأخوذ من لغة الإغريق، لتتبخر كل تلك المفارقات دون أن يكون للفن كلمة عابرة أو تعليق سطحي ناهيك عن غوص في الأغوار وتقديم طرح عميق…!!
* الأحداث المليئة بالمفارقات لا حد لها، والنصوص الساحرة و(المغبونة) والساخرة (على قفا من يشيل)، ورغم تلك التفاصيل (الدرامية) لا وجود لـ(التراجيديا)؛ وبالطبع هناك غياب تام لـ(الكوميديا)..!!
* الدراما متوافرة عندنا بكثافة في أماكن العمل والطرقات، ولكن لا وجود لها في المسارح والشاشات..!!
* مخطئ من يظن أن عمر الدراما السودانية قصير، ومصيب ذلك الذي يعلم جيداً أن عمر درامتنا يزيد يوماً تلو الآخر إلا أن نموها قد توقف منذ سنين طويلة..!!
* لم تعد كلمة (التطور) هي المفردة الأنسب التي يمكن أن نصف بها حال الدراما بالدول العربية الشقيقة، فما نراه بأعيننا أكبر من التطور معنىً وأوسع وصفاً، فالدراما السورية انطلقت بسرعة (الإفلات) واستطاعت بجهد بنيها وإيمانهم بضرورة أن يكونوا أو لا يكونوا أن تحتل موقعاً مرموقاً وتحقق درجات مشاهدة عالية وتمثل بعبعاً مخيفاً للدراما المصرية التي كانت تتربع على عرش الدراما العربية ولا يجرؤ أحد على الوقوف خلفها ناهيك عن وصول طموحه لمنافستها، وإن أظهر الشوام قدرات عالية وبراعة تامة ومهارة لا توصف في الأعمال التاريخية المجردة من تحديد الزمان والمكان، فإنهم أيضاً قدموا دراما اجتماعية تناقش قضايا حيوية عبر إجادة تمثيل وإبهار في الإخراج وتميز في الأداء..!
* تشت جمع الدراميين السوريين فلا صوت يعلو فوق صوت الدمار.. (وليفنى كل شيء وليمت في المسلسلات الأبطال ويبقى الخراب يسبح بحياة بشار)..!!
* إن تركنا الدراما السورية (المجني على بلدها الآن) جانباً وتحدثنا عن الدراما الخليجية فالسنوات العشر الأخيرة أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك أن المستقبل سيكون حكراً لها، فالدراما (الكويتية) صاحبة التاريخ والإرث خطت خطوات جادة؛ وتقدمت للأمام بسرعة صاروخية، وها هي الدراما الإماراتية تكشر عن أنيابها وتفلح في تحقيق أرقام مشاهدة عالية، بل وحتى الدراما السعودية التي لم تكن تخرج من إطار أعمال (طاش ما طاش) الكوميدية بات لها وجود وتأثير ودور فاعل، بينما نحن بكل ما نملك من (طولة لسان) لا نزال خارج إطار الوجود العربي وفشلنا للأسف الشديد فشلاً ذريعاً في أن يكون لنا موطئ قدم، ولم نحصد سوى الخيبة والندم..!!
* وماذا عن عمليات (قوات الإنقاذ المشتركة) في السينما والدراما من لدن (رحلة عيون) مع المصريين وحتى (غول) السوريين..؟؟
* كانت الطامة الكبرى في أنه حتي الأعمال المشتركة كمسلسل (الغول) الذي كان يمثل (عملية تهجين) للدراما السودانية بعناصر سورية لم يحقق نجاحاً داخلياً ولم يعرض خارجياً وفشلت فكرة تحسين صورة ونسل الدراما المحلية..!!
* جاء (عثمان دقنة) رغم ضخامة الإنتاج عادياً وتم بثه لنا نحن فقط، ولم يسمع بأميرنا أحد في (الشرق)..!!
* لم تتكرر تجربة (رحلة عيون) السينمائية لأننا – بحمد الله – في (الفن السابع) لم تتوقف أعمالنا فقط، بل حتى تلقينا كمستهلكين لا منتجين لم يعد له موقع من الإعراب، فدور السينما تم تشميعها تماماً وكل ما تبقى لنا هو الوصف، فإن سألك أحدهم عن محل تجاري قلت إنه شمال (سينما الوطنية)، ولو طلب منك أحد المارة في شرق الخرطوم معرفة موقع إحدى الصحف قلت له (غرب كلوزيوم)..!!
* العالم يخطو للأمام، ونحن نجلس على الرصيف واضعين أيدينا على خدودنا من دون أن نعترف بخيبتنا، عسى ولعل أن ينصلح حالنا..!!
* ويسألونك بتهكم: لما يا ترى أحجم المشاهدون عن متابعة الأعمال الدرامية السودانية – إن وجدت – هل هذا الإحجام بسبب الغزو والاستلاب الثقافي؟.. ولا تجد غير أن تشفق على حال السائل قبل أن ترد عليه، وتنظر له بكثير عطف ثم تجيبه قائلاً: (يا سيدي الفاضل: أحجم المشاهدون عن متابعة درامتنا لأنهم سئموا من أداء الممثلين المحنط وتجسيدهم الجنائزي للأدوار والشخصيات بلا أدنى جهد في التقمص.. هجر المشاهدون درامتنا قبل أن تهجرها الدولة وتجفف منابع إنتاجها لأنها تناقش مواضيع لا وجود لها إلا في أخيلة كتابها.. هجروها يا عزيزي لأنها هجرتهم، فهي للأسف الشديد لا تعكس قضاياهم ولا تناقش همومهم ولا تخرج من صلب معاناتهم وباتوا يشعرون بغربة بينهم وبينها، فهم يجلسون أمام التلفاز ولكنهم للأسف الشديد لا يشاهدون أنفسهم على شاشته ولا ظلالهم على مرآته.. (وفعلاً واقع يزعل وحاجة تخجل)..!!
* إن توافر الدعم والإنتاج فالمشكلة الحقيقية لا تزال قائمة..!!
* أفيقوا يرحمكم الله.. ناقشوا مشاكلكم.. واجهوا واقعكم.. حاولوا إزالة الجفوة بينكم والمشاهدين، فقد طال هجرهم لمشاهدة درامتكم وطالت هجرتكم… (ورد الله غربتكم)..!!
نفس أخير
* وخلف هاشم صديق نردد:
مسرح وين بحل الدين
دراما شنو.. تحوق في منو
وشنو التلفاز هو يا أستاذ
ومافيا الحوش بتطرد ناس وتدخل توش