تحقيقات وتقارير

في عوالم المتسولين: أطفال بـ(الإيجار) .. و(محن) أخرى


رجل (ضرير) في العقد الخامس من عمره يتجول بوسط الخرطوم متكئاً على عصاه، يقوده إثنان من الصبية الصغار في السن ويقومون بإيصاله للسيارات المتوقفه عند الشارة الحمراء بالاستوب لنقر زجاجها وسؤال أصحابها، ثم الانتقال به للشارع الآخر، وهكذا كانت تسير الامور يومياً، لكن الغريب ان هذا الرجل يقوم بين كل فترة وأخرى بتغيير الاطفال الذين يتسولون معه بأطفال جدد وهو ما لفت انتباهنا، الامر الذي جعلنا نفرد بأحد أولئك الاطفال ونسأل أحدهم عم ما يحدث ليخبرنا بلهجة متعلثمة: (الراجل ده ما أبوي بس مؤجرنا ومعاي واحد تاني عشان نشحد ليهو وهو عامل فيها عميان لكن ما عميان وبيشوف ونظرو كويس)، وزاد الطفل بعد ان فرك رأسه بيدو في براءة: “بعد نهاية اليوم بيدينا عشرة جنيهات انا واخوي”.
صاحب مطعم يقع بالقرب من ذات المنطقة استفسرناه عما يدور، فقال لنا بسرعة: “لقد اعتاد ذلك الرجل المتسول الذي يدعي أنه أعمى على ايجار الاطفال صغار السن من اجل الشحده وفي بعض الاحيان يعمل وحده وهو يتكأ على عصاه متنقلا بين السيارات وكأنه أعمى وآخر الليل يأتي للمطعم ويتناول وجبة العشاء ومن ثم يقوم بـ(صم) النقود الحديدة التي جمعها خلال اليوم وهو بكامل صحته، وعندما تحدثت معه بان ذلك حرام وانني اراقب تصرفاته وخداعه للآخرين غادر مطعمي منذ ذلك اليوم دون رجعة”.
وفي ذات الوقت رصدت (كوكتيل) عددا من الامهات يضعن ابنائهن (الرّضع) امامهن على قطعة القماش المتسخة تحت هجير الشمس وهن يتسولن بهم، فيما دفعت احدى الامهات بطفلتها الصغير داخل كرتونة صغيرة منتصف الطريق وهي تدعو المارة للرأفة بالطفلة المريضة وحاجتها الماسة للدواء حتى تتعافى، في الوقت الذي اصبح فيه يتكرر ذات المشهد وبصورة يومية والمرأة تعود لذات المكان وهي تضع ابنتها داخل (الكرتونة) مكررة حاجتها للدواء ما جعل بعض من مرتادي ذلك الشراع يشكون في مصداقيتها رافضين مساعدتها.
سيدة متوسطة الجمال حرصت على حجز مكان لطفلتها الصغيرة تحت شجرة ظليلة بالشارع الممتد من شارع الحرية بعد ان اجلستها على كرسي متحرك، فيما ظلت الصغيرة تنادي على المارة بصوت طفولي بريء لماساعدتها ماديا وانها مشلولة لكن كانت المفاجأة عندما تحركت الطفلة جرياً على أرجلها مُغادرةً كرسيها لإلتقاط حبة مانجو سقطت من أحد المارة على الأرض وسط دهشة الحاضرين.

محاسن أحمد عبد الله
صحيفة السوداني