يوسف عبد المنان

حرب الصيف


لأنه مغرم جداً بالمعارضة ويبغض الحكومة منذ ميلادها، يعتقد أنه مناضل في سبيل الحرية.. تجده في كل النقاشات ومجالس الأفراح والأتراح، يمجد القوى التي تحمل السلاح من المتمردين، أينما كانوا، وحيث ما وطئت أقدامهم ،تهللت أسارير الرجل.. يبحث دائماً عن أخبار المتمردين في الأسافير والصحف، وإذا لم يجدها لعن الحكومة التي تحجب أخبار المتمردين عن الوسائط الإعلامية، كما يعتقد.. كان يوم (الخميس) الماضي في طريقه من الأبيض إلى الدلنج ، وشاهد أمامه مناوشة قامت بها مجموعة من أفراد الحركة الشعبية تمتطي موتر لاختطاف تانكر وقود.. كان ضمن قافلة عسكرية ، تتكون من نحو سبع عربات تحرسها سيارة واحدة.. واستغل المتمردون كثافة أشجار غابات (كرمالي) شمال الدلنج، لاختطاف (التانكر) بحثاً عن الوقود، الذي جعل مركبات المتمردين معطلة في معسكراتهم.. الصديق المغرم بالمتمردين ، وجد نفسه أمام مناوشة لم تستغرق إلا بضع دقائق ولاذت المجموعة التي هاجمت القافلة الحكومية بالفرار.. لكن في اليوم الثاني أي صباح (الجمعة) ، وجدت ذلك الصديق يجلس في مقهى بسوق الدلنج، بادرته بالتحية بعد أن أسبغت عليه صفة (كمرت)، ضحك الرجل الذي كان معلماً مرموقاً في المدارس الأولية، وتقاعد للمعاش. وقال: (مالك يا أخي داير تعمل لي مشاكل).. قلت له: أنت سياسي مدني لم تتورط في نشاط عسكري، أما أن تشجع المتمردين أو تتعاطف معهم ذلك، لا يشكل جريمة يعاقب عليها القانون!! ضحك وقال: (ناسنا ديل كضابين كضب).. قلت له ناس الحكومة ولّا الولاية ولّا المحلية.. قال: (لا ناس المعارضة، يا أخي أنا شاهد عيان لما حدث في منطقة “كرمالي”.. الجماعة هاجموا تانكر وقود واحد، وقاومهم السائق ورفض الإذعان لتهديداتهم ، وحينما تدخلت السيارة المكلفة بحماية التناكر ، انسحب الجماعة وعملوا ساتر.. الآن أقرأ في بيان عن معركة دمرت فيها قوات الحركة الشعبية (5) دبابات (تي 55)، وقتلت (23) من القوات المسلحة، ودمرت (3) تناكر وقود، واستولت على عدد كبير من الأسلحة ، يتم حصرها الآن، وخسائر طفيفة في صفوف قوات الحركة الشعبية، عبارة عن جروح عبارة عن جروح لجنديين).. ووضع الرجل يده على خده.. وقال: (هؤلاء يكذبون علينا.. وأنا شاهد على ما حدث لم ترق قطرة دم واحدة في تلك الحادثة.. ولا وجود لدبابات حتى يتم تدميرها).
تلك كانت شهادة من متمرد أو متعاطف مع المتمردين من الداخل، حينما رأى بنفسه المناوشات التي كان مسرحها منطقة شمال الدلنج ،على الطريق القومي لاختطاف عربة وقود.. طفقت الحركة الشعبية تملأ الفضاء ببيانات عن انتصارات حققتها في منطقة شمال الدلنج، ولحظة وقوع المناوشات كنت شخصياً قريباً جداً من مسرح العملية ،وأنا عائد من كادوقلي ، بعد مشاركتي في عزاء الراحل المجاهد “محمد آدم الشفيع”.. وكل ما حدث، هو ذات الرواية التي نطق بها شاهد العيان الذي يقف بقلبه مع الطرف الآخر ، أي المتمردين.. لكن إعلام الحركة الشعبية استطاع بث بيانات كثيفة، عن وقائع من محض الخيال فقط.
الأيام القادمات والصيف بدأت بوادره.. هناك عدة (أصياف)، صيف سياسي منتظر بإعلان توصيات وقرارات الحوار الوطني وتشكيل حكومة جديدة بوجوه جديدة ووجوه قديمة، وولوج أحزاب كانت في صف المعارضة ساحة الحكومة.. وهناك صيف (مناخي) قد يشهد ارتفاعاً غير مسبوق في درجات الحرارة، ويتبع ذلك نقص في خدمات المياه والكهرباء ،خاصة في ولاية الخرطوم.. لكن الصيف الأهم هو الصيف العسكري ، الذي قد تواجه في الحركة الشعبية بمصير صعب، وقد تعالت أصواتها منذ أيام خوفاً ورعباً من ما هو قادم، وفي صمت ، يجوب الفريق “كمال معروف” والفريق “الرحيمة” مسارح العمليات قبل بزوغ فجر الغد.. والصيف القادم هو صيف الإعلام ،الذي يسند ظهر القوات المسلحة حتى تؤدي واجبها في تأمين الأرض.. لكن من يقدر أهمية الإعلام ، الذي تستخدمه الحركة الشعبية بكفاءة لتغبيش الوعي الجمعي للسودانيين، بينما يعجز الإعلام الحكومي عن إقناع المتلقي بأن الحركة الشعبية (تكذب) ،على نفسها أولاً.