عبد الجليل سليمان

مرفعينين ضبلان وهازل


كنت على وشكِ استخدام ذات العبارة التي وصف بها الأستاذ عادل الباز ما أشيع عن اتجاه لتوحيد العملة بين السودان وإثيوبيا، عنوانًا لكتابتي هذه، لولا أنني رأيت في (إتلم التعيس على خايب الرجا) (مصّرنة) بالغة، فيما توجد عبارة سودانية ذات كثافة تعبيرية أعلى منها، فتوكلت على الحي القيوم، وقلت لم لا (مرفعينين ضبلان وهازل). فكانت.
بطبيعة الحال، استغربت لتحليل صاحب (فيما أرى) لِما ورد في هذا الخصوص، خاصة وأنني رأيت في مقاربته ظلالاً ينبغي أن نُرسِل إليها بعض أشعة الشمس لتُجيلها. وليس من شعاعٍ أكثر سطوعًا من ذاك القادم من المصدر الرئيس (الشمس).
ولعل من باب الصدفة أن يزورنا في (اليوم التالي) مطلع الأسبوع المستشار الأول للسفارة الإثيوبية بالخرطوم السيد (بيّنا إجقو)، فنستطرد معه في (الونسة) إلى حدود ما يُشاع عن توحيد العملة بين البلدين، فبيّن لنا السيد (بيّنا)، وأوضح أن الأمر ليس كما نظن، وكما يروج له هنا، لأنه ليس بالقرار السهل ويحتاج لسنواتٍ طويلة تنتظم خلالها خطوات كثيرة جدًا، حتى أنه قال لربما احتجنا لعشرات السنوات حتى تتوحد عملتينا، لكن هذا لا يمنع من التخطيط لذلك منذ الآن والمضي قدمًا لتحقيقه.
لكن، وتأسيسًا على الخبر (الباطل) الذي روجته الصحف، وراجت به المقالات، لاحقًا، والذي طرح الأمر وكأن الجنيه والبر سيتوحدان (بعد بكرة)، ثم بنى عليه الباز مقاله، دون أن ينتبه – ربما – إلى أن ما بنى على باطل فهو باطل, فجاء تحليله لأمر توحيد العملة بناءً على (بعد بكرة) تلك، فيما الحقيقة تقول إنه سيناريو رؤيويّ محض لن يتّسع له الواقع الآن، وهذا ما قاله المستشار بيّنا بعبارات مختلفة.
بطبيعة الحال، لن يعفينا ذلك من المضي قُدمًا في محاورة الأستاذ الباز، وإلا لوقعنا في ذات مأزقة الذي وقع فيه على طريقة (والله ما كنت عارف)، وهي طريقة لا تعفي عن المسؤولية، كما أنها لا تعفينا من الاستمرار في نقاش النتائج الخاطئة التي توصل إليها، كأن يعتقد مثلاً بأن هنالك ما أسماها بـ (معايير مقايسة) وهو تعبير مزودج وغائم، إذ أن المقياسة تعني تَقْدِير التَّكْلُفَة أو تَخْمِينًها (Cost estimate)، أما المعيار فمصطلح تختلف معانيه من مجال للآخر، ففي المجال المالي يستخدم بمعنى (Gage) أي سعة، كما يستخدم بمعنى قياس أيضًا، فالمعنى الاقتصادي لمصطلح معايير (Standards) ليس إلاّ (مقاييس) ذاتها، وبالتالي فإن جملة (معايير المقايسة) غير مفهومة ومبهمة، وليست لها معنى اقتصادي أصلاً. فإما معايير أو مقايسات.
والحال هذه، فإنه – أي الباز – أوغل في الخبر الخاطئ، ففاض حديثه من ما هو اقتصادي إلى ما هو سياسي، فعدَّ توحيد العملة مع الجنوب – فيما بعد – أكثر واقعية من توحيدها مع إثيوبيا، وهذا ليس تحليلاً اقتصاديًا بالتأكيد، كون الجنوب دولة فاشلة وليست لها، دعك عن بنى اقتصادية، بل حتى بنى تحتية في حدها الأدنى كالذي لدينا نحن، أما الاقتصاد الإثيوبي، فتكفي عنه تقارير المؤسسات الاقتصادية الدولية.
إلى ذلك كله وبجانبه، استخدم الباز نفسه معايير أكثر شكليّة وهشاشة، بافتراض صحة الخبر، حين تسائل: كيف يمكن توحيد العملتين اللتين تواجهان تدهورًا مريعًا أمام الدولار، لـ (يتلم التعيس مع خايب الرجا) بحسب تعبيره، وكأنه أراد أن يقول بعدم جدوى واستحالة توحيد عملتين بسبب تراجعهما أما الدولار، وهذا أيضًا تحليل دارج وغير عميق، فكل العملات الأوروبية – قبل اليورو – عدا الإسترليني، كانت أشباحًا أمام الدولار. ثم: لماذا التعيس وخايب الرجا، فنلقل “مرفعينين ضبلان وهازل شقوا بطن الأسد المنازل”.