تحقيقات وتقارير

هجرة السعوديين للخارج.. بين الحقيقة والأرقام المبالغ فيها


– د.وجدان: انتقلتُ إلى دبي مع زوجي منذ أكثر من 10 سنوات بسبب النشاط الاقتصادي.

– محمد عبدالكريم: كل شيء ميسر أمامي في دبي والعمل أكثر انفتاحاً وهنا لا توجد واسطة.

– أبو عبدالله: تقاعدتُ مبكراً.. وانتقلت للقاهرة مع زوجتي.. وراتب الـ15 ألف ريال جعل حياتنا معتدلة.

– د.عبدالله الفوزان: من الآثار السلبية للهجرة على الموطن الأصلي، خسارة العقول المتميزة، وفقد الخبرات الجيدة.

– حمال بنون: لا يوجد لدينا هجرة أشخاص؛ إنما هي هجرة أموال وعلينا استردادها.

– د.علي الرومي: السعودية مستقرة سياسياً واقتصادياً ومقياس الهجرة غير متوفر.

– د.خالد الدخيل: مساحة الاحتمالات والتكهنات كبيرة لعدم وجود معلومات عن المهاجرين.

ما هي حقيقة هجرة بعض السعوديين للخارج؟ وهل فعلاً أنها هجرة تجاوزت المليون مواطن سعودي غادروا برفقة عائلاتهم للإقامة والعمل في عدد من الدول العربية والأجنبية؟ وإلى مدى تلعب الجوانب الاجتماعية والاقتصادية دوراً في تلك الهجرة إن صدقت أرقامها؟ تساؤلات نحاول الإجابة عليها في التحقيق التالي..

آراء متباينة

وتباينت الآراء حول هجرة السعوديين للخارج؛ فهناك من رأى أن العامل الاقتصادي، والتوسع في الاستثمارات المالية؛ هو السبب وراء تلك الهجرة التي تُقَدّرها بعض التقارير -غير الرسمية- بأنها في حدود المليون مواطن سعودي، وهناك من رأى أن الرغبة في التغيير والانفتاح الاجتماعي كان سبباً في سفر الكثير للعيش في الخارج؛ في حين يرى آخرون أنها أرقام مبالغ فيها وغير صحيحة، وأنه لا توجد هجرة للسعوديين بتلك الأرقام العالية؛ فالمناخ السعودي مغرٍ وجاذب للعمل؛ مستدلين بوجود أكثر من 10 مليون وافد في المدن السعودية، وهم مرشحون للزيادة.

تحذيرات

وقد أثارت تحذيرات عضو الشورى الدكتور “صدقة فاضل” من تزايد أعداد السعوديين المقيمين في الخارج، الكثيرَ من ردود الأفعال عبر مواقع التواصل الاجتماعي؛ حيث دعا الدكتور “فاضل” وزارة الخارجية إلى درس الظاهرة وأسبابها، قبل أن تشكّل تهديداً أمنياً أو معضلة اجتماعية، وذكر أن هناك مليون سعودي مهاجر في الخارج.

الأسر السعودية

من جانبها تواصلت “سبق” مع بعض الأسر السعودية التي تعيش خارج السعودية؛ للتعرف على أسباب الهجرة.

من دبي تقول “هاتفياً” الدكتورة “وجدان”: “جئت إلى دبي مع زوجي منذ أكثر من 10 سنوات”؛ موضحة أن النشاط الاقتصادي لزوجها هو السبب في إقامتهم هناك؛ “حيث لا توجد عوائق، وهناك وضوح للقوانين وتيسير للأمور؛ مما جذب زوجي للعيش والإقامة، ونعود دائماً إلى السعودية الحبيبة في رمضان من كل عام”.

ومن جانبه قال الشاب محمد عبدالكريم: “الأمور ميسرة أمامي في دبي، وبدأت نشاطي هناك منذ فترة، ولم أستطع أن أبتعد عن العمل؛ فانتقلت مع أسرتي للعيش هناك”.. وبسؤاله عن أسباب عدم استثمار نشاطه في السعودية، أجاب قائلاً: “لا أخفيك، الدنيا هنا أكثر تيسيراً وانفتاحاً، ولا يوجد واسطة؛ فباب العمل مفتوح للجميع؛ بيد أني أحرص على زيارة والدي وأسرتي بصفة مستمرة، ولم أشعر بانقطاعي أو غيابي عن السعودية”.

ومن القاهرة، قال لي رب أسرة متقاعد يدعى أبو عبدالله: “بعد أن تقاعدتُ وزوّجت أبنائي وبناتي، انتقلت مع زوجتي للعيش في مصر، وما ساعدني على ذلك امتلاكي لشقة، ولي كثير من الأصدقاء السعوديين في القاهرة”.

وعن أسباب انتقاله للعيش في القاهرة، أجاب: “كثيراً ما كنا نسافر القاهرة في الإجازات، وبعد التقاعد كان دخلي أنا وزوجتي -التي تقاعدت مبكراً- لا يتجاوز 15 ألف ريال؛ فقررنا السفر والانتقال والعيش في منزلنا بالقاهرة، وساعدنا على ذلك فرق العملة؛ مما جعلنا نحيا حياة معتدلة، إضافة إلى أن الرغبة في كسر الروتين، كانت وراء سفرنا وخلق جو وحياة مختلفة”.

رغبة التغيير

تواصلت “سبق” مع أستاذ الاجتماع بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الدكتور عبدالله الفوزان؛ للتعرف على الدوافع التي تدفع الأفراد للهجرة من أوطانهم بشكل عام، فأجاب قائلاً: تختلف الدوافع وفقاً لعوامل الطرد في الموطن الأصلي وعوامل الجذب في البلد الذي يهاجر إليه، وقد توصلت الدراسات التي أجريت حول هذه القضية إلى جملة من عوامل الطرد في الموطن الأصلي؛ منها عدم الاستقرار السياسي؛ كالحروب مثلاً، أو ضعف الوضع الاقتصادي، وانتشار البطالة، وقلة فرص العمل، وضعف الأجور أو التعرض للأذى، والعنف لأسباب دينية وعرقية أو لأسباب صحية كانتشار الأوبئة، أو لأسباب تتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان، والبحث عن فرص الحياة الكريمة الآمنة، والرغبة في العيش في مجتمع تتوفر فيه الحرية.

ولفت إلى هناك من يهاجر من أجل فرص تعليم غير متوفرة في وطنه، ورغبة في تطوير الخبرات والمهارات.

مشيراً إلى أن الانفتاح في المجتمع السعودي على الثقافات، والمجتمعات الأخرى، جعلنا نشهد بعض حالات الهجرة، والذي رآه أمراً طبيعياً؛ حيث قال: “يهاجر الناس من بلدانهم برغم توفر فرص الحياة الكريمة؛ رغبة في التغيير، وكسر الروتين، والاستفادة من خبرات المجتمعات الأخرى”.

وعن الآثار الإيجابية والسلبية لهجرة المواطن، قال: مما لا شك فيه أن للهجرة آثاراً إيجابية وسلبية على الفرد والمجتمع، وكذلك المجتمع الذي يستقبلهم؛ ومنها المردود الجيد عليهم وعلى أوطانهم الأصلية بسبب التحولات، ومن الآثار السلبية للهجرة عن الموطن الأصلي؛ خسارة العقول المتميزة وفقد الخبرات الجيدة.

سهولة الاستثمار

فيما اعترض الكاتب الاقتصادي جمال بنون على مصطلح “هجرة المواطن”، ورأى أنه انتقال، وليس هجرة.. وبسؤاله عن أكثر الفئات هجرة أو انتقالاً، قال: “فئة الشباب خريجو الجامعات، وفئة المتقاعدين”؛ لافتاً إلى وجود 100 ألف سعودي في دولة الإمارات يعملون ويعيشون هناك.

وعن سبب انتقال البعض للسفر لدول عربية مجاورة، قال: حجم العمل، وبنية الاستثمار أسهل من الموجودة في السعودية، وهناك من استطاع تكوين شركات في الخارج؛ موضحاً بالأرقام حجم استثمار السعوديين في الإمارات، والذي بلغ 100 مليار درهم، وذهبت إلى الاستثمار العقاري والفندقي.

وأوضح أن أكثر الوجهات التي ينتقل إليها السعودي للعيش؛ هي: (الإمارات، ومصر، والأردن، وسوريا قبل الأحداث الأخيرة)؛ لافتاً إلى وجود الكثير من الأسر التي تفكر في السفر، والعيش في مصر والأردن عند سن التقاعد؛ حيث تستطيع بالمعاش أن تحيا حياة كريمة؛ وخاصة إذا كانت تمتلك سكناً؛ نظراً لفرق العملات.

هجرة أموال

وبسؤاله عن خطورة هجرة المواطن السعودي، أجاب قائلاً: أعتقد أنه لا يمثل خطورة على المجتمع، ويفترض أن يتم تصنيف الهجرة، هل هي هجرة أموال أم أشخاص؟

وأردف قائلاً: البيروقراطية في المؤسسات الأهلية والأمد الطويل في استخراج تصاريح، ساهم بشكل كبير في انتقال المواطنين للاستثمار في الخارج؛ حتى المشاريع العقارية التي لم تجد لها طريقاً في السعودية وجدت طريقها في الخارج!

وأكد أنه لا توجد هجرة للأشخاص؛ بيد أنها هجرة أموال، وعلينا التفكير في كيفية استرجاعها إلى الداخل والاستفادة منها؛ ضارباً المثل بقطاع الإعلام الذي يستثمر في الخارج بنسبة من 5: 6 مليارات ريال.

وعاد وأكد أن السوق السعودية مغرية للعمل؛ بيد أن البيروقراطية وغياب الأنظمة وراء هجرة أموال السعوديين للخارج.

الانفتاح الاجتماعي

أما الكاتب السياسي الدكتور خالد الدخيل؛ فقال لـ”سبق”: “هناك أسباب كثيرة لهجرة المواطن خارج بلده”؛ مستبعداً أن يكون العامل السياسي سبباً في هجرة المواطن السعودي، ولفت إلى وجود عوامل اقتصادية واجتماعية لا يمكن استبعادها، وبسؤاله عن الجانب الاقتصادي، قال: “يلجأ البعض إلى الإمارات؛ ولكنها تعد أكثر تكلفة من العيش للرياض”، وتساءل: “لماذا لا يلجأ المواطن إلى الريف السعودي مثلاً؛ فهو أقل سعراً من المدن!”.

وقال: لا توجد معلومات مفيدة للتحليل، ولا بد من وجود معلومات مؤكدة عن المهاجرين؛ حتى لا تزيد مساحة الاحتمالات والتكهنات؛ موضحاً أن العامل الاجتماعي ربما يكون الأقوى؛ حيث نشأت طبقة منفتحة اجتماعياً، وسياسياً، وبدأت تتمرد على الوضع الاجتماعي المحافظ، وباتت تبحث عن الانفتاح في دول مجاورة.

بيئة جاذبة

من جهته، أكد أستاذ مشارك في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بقسم الاجتماع الدكتور علي الرومي، أن المجتمع والبيئة السعودية تُعَدّ من الوجهات الجاذبة؛ نافياً أن تكون طاردة؛ مستدلاً على ذلك بوجود ما يزيد على 10 ملايين وافد أجنبي يعيشون على الأراضي السعودية.

ولفت إلى أن سفر السعوديين وإقامتهم خارج وطنهم، قد تكون لظروف خاصة؛ منها التجارة التي تدفع الكثير للتواجد خارج السعودية، كما أن الابتعاث زاد من نسبة المهاجرين؛ حيث يوجد مَن سافروا للدراسة، وغير مسجلين، ولم يلتحقوا بالبعثات، كما أن الارتباطات العائلية والتزوج من غير السعوديات قد يكون سبباً.

وتابع حديثه مؤكداً أن أبرز ما يدعو الفرد للهجرة هو تحسين المستوى المعيشي؛ معترضاً على مسمى “هجرة”؛ قائلاً: “السعودية مستقرة سياسياً واقتصادياً، كما أن مقياس الهجرة غير متوفر”؛ نافياً أن يكون هناك مليون مهاجر ولا يمكن أن نصفهم بالمهاجرين، ربما يكون للسياحة والاستمتاع والترفيه وليس الهجرة بمفهومها.

كسر الروتين

واعتبرت الكاتبة سوزان المشهدي أن طبيعة الحياة والبحث دائماً عن التجديد، والمكان المناسب للعيش؛ جعل البعض يفكر في التجديد، والبحث عن حياة أسهل ومناخ اجتماعي مختلف؛ لافتة إلى أن الانتقال والسفر ليس له علاقة بالانتماء للوطن من عدمه، وقالت: طبيعة الحياة الآن تشجع على الانتقال والسفر، والبحث عن طرق مختلفة للعيش.

وأوضحت أن السفر إلى بعض الدول كالإمارات بات أكثر سهولة؛ وخاصة بعد توقيع اتفاقية بين السعودية والإمارات تسمح لأي مواطن سعودي بالعمل في الدوائر الحكومية الإماراتية مع سريان تأمينه السعودي؛ مما سهّل وشجّع الكثير على التفكير والانتقال للعيش في دولة الإمارات؛ مؤكدة أن هجرة السعوديين لا تمنع التواصل الأسري والاجتماعي بين الأهل والأقارب والأصدقاء.

وختمت حديثها بالتأكيد على أن هجرة السعوديين تتعلق بأمور لها علاقة بالعوامل الاقتصادية والانفتاح الاقتصادي والعوامل الاجتماعية، وليس لها أي مؤشرات مقلقة، أو أفكار سياسية وخلافه.

صحيفة سبق