مقالات متنوعة

احمد يوسف التاي : الإهدار السفه


عندما فتح المسلمون بلاد فارس في عهد الخليفة العادل عمر بن الخطاب بعث أمراء الجيوش الإسلامية من هناك تاج الإمبراطور كسرى المصنوع من الذهب الخالص والأحجار الكريمة، وكذلك منطقته مع بقية الغنائم الثمينة إلى أمير المؤمنين مع نفر من الجند، فقال يومها عمر بن الخطاب إن قوماً أدوا إلينا كل هذه لذوو أمانة، فقال الحاضرون يا أمير المؤمنين لقد عففت أنت فعفّت الرعية .
أما أمير المؤمنين علي بن أبي طالب فقد كان أكثر الناس عفة عن أموال بيت المسلمين وأكثرهم زهداً فيها وحرصاً عليها وكان لا يعطي منها إلا في الموضع الذي يحبه الله فلم يحابِ ولم يجامل ولم يداهن في حفظ مال المسلمين قط، ولعل قصة رفضه منح أخيه عقيل (الأعمى) أكثر مما يراه حقاً، لهي أكبر دليل على حرصه على أموال المسلمين وحفظها من الإهدار والإسراف .
وكانت نقطةُ التحول الكبرى في حياة الخليفة العادل الزاهد عمر بن عبد العزيز يوم أن فُتِحَتْ زخارف الدنيا كلُّها ووضعت بين يديه، ليأخذ ما يشاء ولا يحاسبه أحدٌ إلا الله، هذه اللحظة التي تضعُف فيها النفوس كانت نقطة الاستفاقة في حياة عمر، فخاف أعظم ما يكون الخوف، وعدل أحسن ما يكون العدل، لقد خاف عمر ولم يكن خوفه إلا من الله، فلم يكن بينه وبين الله أحدٌ من الخَلْق يخشاه، وعندما وصل نبأُ موتِه إلى إمبراطور الروم الذي كان خَصمًا عنيدًا لدولة الإسلام، بكى بكاءً شديدًا أذهل حاشيته، فسألوه عن ذلك، فأجابهم: ماتَ والله رجلٌ عادلٌ، ليس لعدله مثيلٌ، وليس ينبغي أنْ يَعجبَ الناس لراهبٍ ترك الدنيا، ليعبدَ الله في صومعته، إنما العجبُ لهذا الذي أتته الدنيا حتى أناختْ عند قدمه، فأعرض عنها، ولهذا عفت رعيته حتى إن الصدقات (الحلال) لم تجد من يأخذها.. سبحان الله..
وخلاصة القول إن المحافظة على الأموال العامة واجب مقدس على كل من يتولى أمراً من أمور المسلمين وخاصة شؤونهم المالية، وإذا أصبح الحكام وولاة الأمور قدوة في النزاهة والعفة وطهر اليدين لا شك أن كثيراً من مرؤوسيهم الذين يلونهم في المسؤولية سيهتدون بهديهم ويقتدون بسنتهم فلا خلاف في ذلك أبداً، ألم يقال إن الناس على دين ملوكهم فما بالك بالذين يلونهم تواً في المسؤوليات والواجبات من أولئك الذين هم أكثر الناس احتكاكًا بهم .
المحافظة على أموال الأمة من الهدر والسفه والتبذير والبذخ هو محافظة على حياة الناس وحمايتها من الفقر والجوع والمرض وصيانة لأمنها من عبث الأعداء وحفظ الحياة مقدم على كل الأولويات، لذلك يصبح التهاون والتساهل مع نهبة المال العام السائب الذي علم كثيراً من الناس السرقة هو تفريط يسأل عنه يوم القيامة كل من كان باستطاعته أن يحميه من اللصوص وقطاع الطرق والمنتفعين والانتهازيين. ولم يفعل، وهل كان الصرف على أمور لا تفيد ولا تعود على الشعب بنفع إلا سفهاً وإهداراً مسؤول عنه أولات الأمور والممسكين بمقابض المال؟…اللهم هذا قسمي فيما أملك.
نبضة أخيرة
ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق أنه يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين.
احمد يوسف ألتاي – (نبض الوطن – صحيفة الصيحة)