حيدر المكاشفي

كتلوك ولا جوك جوك


في الأنباء أن من بين أهداف تعديل القانون التي يعكف عليها وزير العدل، مسألة تقصير أمد التقاضي كواحدة من أهم أهداف التعديل، وقد أصاب الوزير فلا أحد يختلف على أن قيمة العدل تعلو وترتفع كلما كانت أحكام القضاء عادلة وناجزة وسريعة غير متباطئة ولا معقدة ولا تعطلها مناورات وحيل وأساليب (لولوة) ومط وتطويل يطيل أمد التقاضي، وحول هذا البطء الذي يخصم كثيراً من قيمة العدل ويعد إحدى العلل الأساسية لنظام التقاضي، دائماً ما أستذكر الطرفة التي تحكي عن قصة محامٍ استغل هذه الثغرة واستطاع عبرها أن يمد ويمط إجراءات قضية كان يترافع فيها بصورة خيالية، تمكن أثناءها أن يخطب من أحبها ثم تزوجها ثم أنجب وكبر أولاده حتى تخرج أحدهم وأصبح محامياً، وكل ذلك من أتعاب هذه القضية، ولكن المحامي الابن وكان يعمل بمكتب والده سارع إلى إنهاء هذه القضية بإجراء تسوية في جلسة واحدة، وعندما علم والده بصنيعه استشاط غضباً وصاح فيه (يا ابني أنا ربيتك بهذه القضية فكيف تنهيها أنت في جلسة واحدة)..
غير أن هناك ما لم يذكره الوزير ويتطرق له ونود لفت نظره إليه وهو ما يتعلق بمدد الاعتقال التحفظي أو الحبس للاشتباه، وقد قوبل وما يزال هذا الموضوع بعاصفة من المطالبات من جهات عدة ونشطاء عديدين بضرورة حسمه بأحد أمرين، إما الإسراع بإطلاق سراح المعتقل أو تسريع إجراءات محاكمته أمام القضاء الطبيعي، وهذا بدوره إما أدانهم وحكم عليهم بالسجن أو خلافه من عقوبات إذا ما وجد من خلال محاكمة عادلة ونزيهة توفرت فيها كل أشراط التقاضي العادل أنهم مذنبون قد اقترفوا جرماً استحقوا عليه العقاب، أو لم يجد شيئاً يدينهم فيبرئهم ويطلق سراحهم فوراً، وهذا هو الحق والعدل الذي لا يتوفر لجهة مهما كانت ومهما ادعت مثل القضاء الطبيعي العادل والحر والنزيه، ولهذا فإن مدة الاعتقال التحفظي أو الاعتقال للاشتباه يفترض أن تضيق لأضيق مدة ممكنة حتى لا يتحول الاعتقال إلى عقوبة هو نفسه، بل الأقسى من ذلك سيكون ظالماً ومريراً على المعتقل إذا حكم القضاء فيما بعد ببراءته، وعليه فإن حجم الظلم الذي يقع على المعتقل الذي تثبت براءته أمام القضاء يتناسب طردياً مع مدة الاعتقال، كلما طالت المدة زاد حجم الظلم، والظلم ظلمات يوم القيامة، وأن تبرئ ظالماً خيراً من أن تظلم بريئاً، فالحرية أغلى من أي ثمن، فما بالك بحريتك هذه إذا تم تكبيلها باعتقال لا تدري معه متى ينتهي وإلى أي شيء سينتهي، وتظل في حالة من القلق والتوجس والترقب والكدر والهم والغم بما يفوق كثيراً حالك إذا تم الحكم عليك بالسجن حتى لو كان سجناً طويلاً إلا أنه يبقى معلوم المدة، وحكمة أهلنا التي استخلصوها بتراكم التجارب والخبرات تقول (كتلوك ولا جوك جوك)، باعتبار أن وقوع الحدث حتى لو كان سيئاً أفضل من توقعه وانتظاره، (ولاّ شنو سعادتك)…