داليا الياس

منزوع الكالسيوم


* أذكر حينما كنا صغاراً نرتاد المدارس الابتدائيه طيبة الذكر، لم نكن نحتاج لمعاودة طبيب الأسنان إلا عند الضرورة القصوى.. فقد كنا نتبارى في خلع أسناننا وأضراسنا بكل شجاعة ونطوّح بها بعيداً على أمل أن يبدلنا الله أفضل منها مرددين المقولة الشهيرة التي لا أعرف لها تاريخاً ولا منطقاً (هاك سن الحمار وأديني سن الغزال) مع ضرورة إرفاق بعض حبات الذرة كقربان.
الآن… انصرم العام العاشر من عمر ابنتي ولم تفقد سوى بعض أسنانها الأمامية فقط!! وكنت سأعتبرها حالة مرضية استثنائية لولا أن أخاها ذا الثماني سنوات لم يفقد بعد سوى اثنتين من أسنانه!! الشيء الذي حرك قلقي وأرعبني وجعلني أركض إلى طبيب الأسنان الذي يبدو أنه سخِر من دعواي بأن أبنائي لم يفقدوا بعد العدد المطلوب من أسنانهم فطمأنني بأنها حالة طبيعية وليس أمامنا سوى الانتظار ولو لسنوات أخرى!
* وأعترف أن تبريره لم يكن مقنعاً لي مثله مثل العديد من الأطباء المعاصرين بمختلف تخصصاتهم, ولكني قبلته على مضض بينما رحت أبحث عن أسباب أخرى أكثر إقناعاً لا سيما وأنني بدأت ألحظ تفشي تلك الظاهرة لدى العديد من أبناء الأسر القريبة والصديقة.. ويبدو أنني قد وجدت ضالتي أخيراً في ذلك السائل الأبيض المدعو تجاوزاً (اللبن).. و(ما أدراك ما (اللبن)!
إن أبناءنا الأعزاء يعانون ببساطة من نقص في الكالسيوم! والمعروف أن هذا هو العنصر الأساسي في تكوين العظام والأسنان والمحافظة عليها.. ولهذا نجد أن الأسنان الدائمة البديلة للأسنان الّلبنية لا تقوى على البروز كونها لم تجد الكالسيوم اللازم لنموها وهذا ما يجعل تسنينهم النهائي يتأخر ويبدأون في الشكوى على غير المفروض من آلام المفاصل والعظام!!! كل هذا بسبب اللبن.. وكيف هو حال اللبن الآن؟!!
يأتينا هذا السائل الحيوي على أيامنا هذه محمولاً على (البكاسي) معبئا في براميل من البلاستيك أثبتت كل التجارب العلمية والعملية أنها تكون سبباً رئيساً في الإصابة بالسرطان!! ورغم المحاذير الحكومية الصادرة من العديد من الجهات ذات الصلة بواقعنا الصحي المتهالك إلا أن تلك البكاسي لا تزال تتهادى بين معظم الأحياء بكل هدوء توزع علينا اللبن الملغوم بأوانيه المفخخة وأحياناً تصاحبه في رحلته الميمونة تلك مواكب من الذباب المحصّن دبلوماسياً على اعتباره سفير جمهورية الإسهالات والتايفويد المتفشي.
بالإضافة لذلك نما إلى علمي من مصادر موثوقة وذات صلة بالطب البيطري ومشاريع إنتاج الألبان أن مسألة الغش في الحليب أصبحت معتادة وتحدث بصورة راتبة, وإضافة الماء إليه واحدة من مراحل إنتاجه إلى جانب إضافة (النِشا) لتعمل على تكثيف قوامه نوعياً للتحايل على ارتفاع نسبة الماء فيه!!
فهل لاحظتم أن بعض الحليب أصبح يلتصق بالإناء ويترك أثراً أشبه بالمادة الجيرية على جانبي الأكواب؟.. وهل لاحظتم أيضاً أن تعريف اللّبن لم يعد يقتصر على كونه سائلا أبيض لأنه في بعض الأحيان يتحول للّون الأصفر الشاحب؟.. كما أنه أصبح دون طعم أو فائدة.. والقانون ينص على عدم حمله في أواني البلاستيك ولكنه يحمل.. والدين يلزمنا بعدم الغش ولكنا نغش في الحليب وغيره.. فهل هو تحدٍ للشرع والقانون؟؟.. ومن المسؤول عن تعديل هذه الصورة المقلوبة ونحن جميعاً نتساهل في كل شيء حتى أنا وبرغم إدراكي للمشكلة وترقبي لأسنان أبنائي الدائمة ورغبتي الأكيدة في مدهم بالفيتامينات والمعادن التي تقويهم وتحافظ على صحتهم لم أتمكن من مقاطعة لبن البوكس الذي يرتاد حينا لأنني لم أجد البديل المناسب ولم يكن أمامي سوى استخدام اللبن البودرة لبعض الوقت وما أدراك أيضاً ما اللبن البودرة الذي يستورد بعض الخام منه بمدة صلاحية منتهية ليظل أبنائي المساكين يداومون على تناول الحليب المنزوع الدسم والكالسيوم وأنا أتفرج على مستقبل بلادي الذي يمضي نحو الكساح.
* تلويح:
هي مناشدة لكل المعنيين بالصحة والأطفال والمواصفات والثروة الحيوانية والمحليات و.. و.. و.. وهي أضعف الإيمان.