رأي ومقالات

عيد الأم.. فوضى اجتماعية بلا تربية دينية ..


إصرار صغاري وإلحاحهم، قادني أمس لأرى العجب في ذلك المكان المشهور بإجادة صناعة أفخر الأنواع من الحلويات والجاتوهات والخبائز، وكل مستلزمات المناسبات السعيدة في بلد ينجح فيه الاستثمار الأجنبي أكثر من الوطني!! والمناسبة كما زعموا عيد الأم وقد صحبتهم مستجيباً لرغبتهم ليبحثوا ويختاروا هدية تناسب حبهم لأمهم، ورغم أنى على يقين تام بأن عيد الأم أحد محدثات الأمور والأصل في الدين أن تكرم الأم وتظل كل أيامها عيداً سعيداً، ووقفت عند سلبيات ذلك الازدحام والهرج والمرج الذي يحدث، وأكثر ما لفت انتباهي أن صاحب المحل المشهور، قفز فجأه بأسعاره في تلك الليلة بلا مبرر او منطق، زد على أننا نفتقد للفهم العميق في قيمة الأمهات والآباء، ونمارس الكثير من العقوق والتقصير. فكم من أم مقعدة في لهفة وشوق لطلة الأبناء عند كل صباح، وكم من أم وقف أبناؤها أمام القضاء في خلاف، وكم من أمهات دفع بهن أبنائهن لدور العجزة والمسنين ليرتاحوا منهن، وكم من أم تنوم في سخانة الجو و«قريص» البعوض وابنها مع زوجته وعياله وطراوة التكييف تضربهم طوال اليوم! لذلك لابد من أن نستنهض ضمائر هؤلاء وقلوبهم في مثل تلك المناسبات لنذكرهم بعظمة البر وقيمة الأم، وهي المعجزة التي وهبها الله عزَّ وجلَّ للبشرية، وهي من وضِعت الجنة تحت أقدامها، ومن تعبت لتحتضن جنينها بعد احتوائه تسعة أشهر بعد الثِقل الذي صاحبها أثناء الحمل، لم تتأثّر بما تركه الحمل من علاماتٍ مزعجةٍ على جسدها وما رافقه من سهرٍ طويل، فهي التي لم تشتكِ، بل قابلت التعب بالحب. الأم زهرة الحياة، رضاها يحدّد المصير، لا راحة في الدنيا دون ابتسامتها، ولا جنةٌ في الآخرةِ عند غضبها، تُعلّم العطاء بأفعالها، وهي التي تُقدم دون أن تأخذ، ولا تنتظر إلّا أن ترى النتيجة بالتقدم والنجاح لأبنائها، هي الصانعة للأجيال والمثابرة، ومصدر الحنان ينبع من قلبها دون توقفٍ، وهي أنموذج من الرحمة، وكتلة من الصبر، قَدْرُها عظيم لا يُقدّر بثمنٍ، ومكانتها كبيرةٌ لا يمكن وصفها. هي من يُشكى لها الهمُّ بعد الله، ودعاؤها يهزّ السماء لشدة قوته على الرّغم من أن صوتها رقيقٌ وحنون. هي صانعة الرجال ومربّية لغيرها من الأمهات، وهي أساس الاستمرار في هذا الكون، وسبب الإحساس بالأمان هو وجودها، وغيابها مؤلمٌ ومظلمٌ، باختصار لا حياة دونها. معجزات الأم كثيرة أهمّها العطاء؛ فهي تظلِم نفسها لتُنصف أبناءها، وتُتعب نفسها لراحتهم، وهي تعرف ما يدور داخلهم وما يواجههم في الحياةِ دون أن يفصحوا بذلك، هي قارئة أفكارهم، ومن أشد الصابرين عليهم، الإحسان إليها أمرٌ لا يحق التهاون به. من أجمل معاني الحبّ هو حبّها، ووفاءها لأبنائها لا يمكن أن تُغيّره ظروفٌ أو مصاعب، بل يزيد مع الأيام. تقدير الأم رد الجميل للأم أمرٌ صعب لا يمكن إتمامه على أكمل وجه، مهما قُدِّم لها لن يصلها حقها بما قدمته هي، ولكن لا بأس من تقديرها بتقديم هدية في عيد ميلادها، أو دعوتها للخروج والتنزه، وزيارتها والاستماع لكلامها وأحاديثها، وتجنّب أية كلمةٍ أو فعلٍ يؤذيها أو يؤذي مشاعرها، وطاعتها وعدم جدالها، ومساعدتها عند الكِبَر والشيخوخة؛ فتجاعيد يدها تدلّ على عملها لإنشاء وتقديم ما يحبّ أبناؤها من طعامٍ وترتيبهم وتعليمهم، وتجاعيد وجهها تدلّ على سهرها على مرضهم ووقت اختباراتهم، وألم ظهرها وقدميها يدلّ على وقوفها بجانبهم وتمريرهم بالحياة وإزالة العقبات والمشاكل عنهم قبل أن يعرفوها، وصوتها المتعب يدلّ على شدّة دعائها لهم خوفاً عليهم ورفقا ًبهم. لن نصل إلى ما تستحقّه الأم، فبسبب عظمتها أوصى بها الله ورسوله، ففضلها لا يمكن أن يُنسى لقوّته وتأثيره في الحياة، مهما ابتعدنا تكون هي سبب الوصول إلى المراد وهذه قصة أحكيها لنعلم جميعاً ضحية وعظمة الأم!! كان لإحدى الأمهات عين واحدة وقد كرهها ابنها لما كانت تسببه له من إحراج، فكان يرى شكلها مقززاً، وكانت هذه الأم تعمل طاهية في المدرسة التي كان يدرس ابنها فيها لتعليمه وتساعده على أن يكمل دراسته، كان الولد دائماً يحاول أن يخفي عن أصحابه أن تلك الطاهية أمه خوفاً من تعليقاتهم وخجلاً من شكلها في أحد الأيام صعدت الأم إلى فصل ابنها كي تسأل عنه وتطمئن على تحصيله الدراسي، أحس الولد بالإحراج والضيق نتيجة لما فعلته أمه، تجاهلها ورماها بنظرة مليئة بالكره والحقد في اليوم التالي أبدى أحد التلاميذ سخريةً من ذلك الولد قائلاً له: يا ابن الطاهية ذات العين الواحدة، حينها تضايق الولد كثيراً وتمنى لو كان بإمكانه أن يدفن نفسه أو يدفن أمه ليتخلص من العار والخجل الذي يسببه له شكلها. واجه الولد أمه بعد السخرية التي تعرض لها من زميله قائلاً لها: متى ستموتين وتختفي من حياتي كي اتخلص من الإحراج الذي اتعرض له بسببك؟ فقد جعلت مني أضحوكةً ومهزلةً بين زملائي. سكتت الأم حينها وغادر الولد المكان دون أن يأبه لمشاعرها. كان الولد يكرر ذلك التوبيخ لأمه كثيراً بعدما أنهى الولد دراسته الثانوية، حصل على منحة دراسية لإكمال دراسته في الخارج، ذهب ودرس وتزوج وكان سعيداً في حياته بعد أن ابتعد عن أمه والتي كانت مصدر الضيق الوحيد في حياته بعد بضع سنين قررت الأم أن تسافر لترى ابنها وأحفادها، وقد تفاجئت الأم كثيراً من ردة فعلهم ، فقد سخر منها بعض أحفادها، وآخرون خافوا منها وبدأوا بالبكاء فانزعج الابن من أمه وأمرها بأن تخرج من المكان خوفاً على أبنائه منها، فخرجت دون أن تبدي أي تعليق والحزن يملأ قلبها. وفي يوم من الأيام اضطر الابن للذهاب إلى البلد الذي عاش فيها طفولته مع أمه ومن باب الفضول قرر أن يزور بيته القديم، وما إن وصل أخبره الجيران بأن أمه قد توفيت، لم يذرف الابن أية دمعة ولم يحرك ذلك الخبر ساكناً فيه كانت وصية الأم لأحد الجيران أن يقوم بتسليم ابنها ظرفاً إن رآه في يوم من الأيام، فقام ذلك الجار بتسليم الظرف للابن حينها، ولما فتحه وجد فيه رسالةً كتب فيها (ابني الحبيب.. لقد أحببتك كثيراً و طالما أحببت أن تعيش معي وأرى أحفادي يلعبون من حولي، في هذا البيت الذي عشت وحيدةً فيه، وكانت الوحدة تقتلني. ابني الحبيب في داخلي شيء لم أخبره لأي أحد في حياتي، وستكون أنت الوحيد الذي سيعرفه، فبعدما توفى أبوك في حادث سيارة، أصبت أنت وفقدت عينك اليمنى وتأسفت وتحسرت عليك ولم أكن استطيع أن أتصور كيف سيعيش ابني بعين واحدة وقد يسخر منه الأطفال ويخافون من شكله لذا تبرعت لك بعيني!!

بدر الدين عبد المعروف الماحي

الانتباهة


تعليق واحد

  1. عيد الأم.. فوضى اجتماعية بلا تربية دينية ..

    الامة والدعاة السودانيين مامقصرين لكن التقصير في الشباب ( مابسمعوا الكلام ) – راسهم قوي .. الشرطة السودانية بتاعت ( جعجعة ) – كلام بس مافي فعل ..