الصادق الرزيقي

لا تكن طيباً يا هذا ..!


> دائماً نحن نحسن الظن في كل ما يُقال لنا وفي نوايا الآخرين، والسياسة ليس فيها ثقة كاملة وتصديق كل ما يصدر عن الطرف الآخر، خاصة إن كان هذا الطرف في يوم من الأيام عدواً لُدغنا منه ألف مرة، دولة جنوب السودان وجارتها يوغندا التي كانت جارة سابقة، ماتزال تدعم المتمردين ولم تتوقف عن تقديم الدعم السياسي والعسكري والمالي للحركات المتمردة وتوفر لها المأوى والملاذ وجوازات السفر والإقامة وحرية التنقل في أراضيها منها وإليها، ولطالما نكرت جوبا وكمبالا وجود المتمردين على أراضيها وأنها توقفت عن دعمهم، وعندما زار الرئيس اليوغندي يوري موسفيني بلادنا في زيارته الأخيرة قبل أشهر نفى نفياً قاطعاً أن يكون هناك قادة من متمردي دارفور على أراضي بلاده، بل وجه بطردهم كما فعل في زيارة سابقة لنائب رئيس الجمهورية إلى كمبالا. لكن كل ذلك تكذبه المعلومات التي نشرتها الصحف أمس، نقلا عن مصادر عليمة وذات صلة بهذا الملف بأن رئيس حركة تحرير السودان مني أركو مناوي ورئيس حركة العدل والمساواة جبريل إبراهيم وقادة آخرين غادروا أديس أبابا بجوازات سفر من دولتي جنوب السودان ويوغندا، بعد مشاركتهم في اللقاء التشاوري الذي دعت إليه الآلية الإفريقية رفيعة المستوى.
> واضح أن كمبالا وجوبا، مستمرتان في دعمهما للتمرد في السودان، ولم تمتنعان عن تأجيج الصراع في بلادنا، برغم مساعي السودان الحثيثة عبر الإيقاد لإبرام اتفاقية بين حكومة جوبا ومعارضتها المسلحة، وبرغم وقوفنا ومساندتنا ليوري موسفيني ومساعدته في ملف جيش الرب أو تسخين الخطوط بينه والدول العربية، خاصة الخليجية منها، وقد طلب وهو في الخرطوم خلال زيارته الأخيرة بتحسين علاقاته مع دول الخليج لحاجته إلى الاستثمارات العربية، وربما كان يحن إلى عهد حليفه السابق معمر القذافي الذي قدم ليوغندا الكثير في فترة حكمه.
> إذا كان السودان يسعى لترتيب العلاقات مع محيطه الإفريقي وكسب هذه الدول لصالح الأمن والاستقرار في المنطقة، يبدو أن هناك من يسعى لبذر الفتن والخلافات في المنطقة وإشعال صراعاتها، وقد تنفس الكثيرون هنا وفي جوارنا الإقليمي الصعداء عند زيارة موسيفني الأخيرة إلى السودان ومن خطوات تطبيع العلاقات في الإقليم، وأن يوغندا الشريك معنا في اتفاقيات منظمة البحيرات العظمى وفي هيئة الإيقاد وقوات شرق ووسط إفريقيا الخاصة بمحاصرة المجموعات المسلحة في شرق الكونغو ومطاردة جيش الرب، وهي شريك معنا وموقِّعة على كل الاتفاقيات والتفاهمات حول الحركات السالبة في المنطقة، نجدها تقدم عياناً بياناً الدعم وجوازات السفر لقادة هذه الحركات السالبة وتسهل تحركاتهم في عواصم الدنيا..
> ماذا لو فعلنا نحن ذات الشيء وقمنا بتقديم مثل هذه التسهيلات والدعومات لقادة المجموعات المعارضة لحكومة موسفيني، ولو استقدمنا معارضته المقيمة في لندن ووزير دفاعه السابق إلى الخرطوم أو بعض المنسوبين إلى الحركات الموجودة في شمال وشمال غرب يوغندا، وسهلنا لهم الإقامة والتحرك من الخرطوم وإليها، ماذا كان سيكون الموقف..؟! وماذا لو قمنا بدعم المعارضة الجنوبية ضد الرئيس سلفا كير وقدمنا للسيد رياك مشار كل ما يحتاجه من دعم وسلاح وفتحنا حدودنا له واستقبلناه كرجل دولة..؟ وهل كانت حكومة جوبا ستصمد ولو لأيام أو أسابيع لو تعاملت معها الخرطوم بالمثل..؟ تعاني كل دول المنطقة من وجود حركات ومجموعات معارضة مسلحة، وما أسهل التواصل معها والاتصال بها واستقدامها ومساندتها، لكن السودان من واقع تعامله بمسؤولية ووعي كافٍ بما ستجره الصراعات على كل الإقليم من اضطرابات وتوترات ونتائج وخيمة، لا يتعامل بهذه الطريقة الضارة حفاظاً على تماسك دول المنطقة واستقرارها.
> مد حبال الصبر بلا حدود، ليس سياسة صحيحة في كل الأحوال، ولا تنفع في كثير من الأحيان، فعلى الحكومة بعد أن عرفت أثر الفأس على ظهرها ورأسها أكثر من مرة، ألا تتعامل بطيبة قلب غير محمودة العواقب، فنحن لا نتعامل مع قديسين في كمبالا وجوبا، نحن نتعامل مع مطامع وهوى وإستراتيجيات وحكومات تعمل لصالح غيرها، فلا يغررنا فيهم حلاوة الحديث بيننا، ولا الكلمات التي تُطلق في الهواء وأكاذيب السياسة ..!
الصادق الرزيقي – (أما قبل – صحيفة الإنتباهة)