مقالات متنوعة

محمد لطيف : جائزة الطيب صالح.. الأصل ! 2


بالأمس انتهينا إلى الحاجة إلى الفصل بين ما أسماها صديقي جائزة الطيب صالح الأصل.. وبين الأخرى.. ولأننا هنا معنيون بالأصل.. ولأننا قد نوهنا بالأمس إلى ضرورة العودة إلى منصة التأسيس.. للفصل بين الأصل والمستنسخ فها نحن نفعل.. تقول الوقائع التاريخية المجردة.. إن مجموعة من أصدقاء الطيب صالح ممن كانوا حوله في لندن.. ومنهم على سبيل المثال لا الحصر.. محمود عثمان صالح وحسن تاج السر قد تبنوا فكرة تشييد منزل للأديب الكبير الطيب صالح في السودان.. ولأن المجموعة كانت جادة وعملية فقد جمعوا في وقت وجيز مبلغا مقدرا من المال.. غير أن صالح قد تحفظ على الفكرة بدواع موضوعية.. واقترح عوضا عن المنزل.. الذي لن يستفيد منه أحد على حد قوله.. تخصيص المبلغ لأي مشروع يخدم الشعب السوداني قاطبة.. وبعد عصف ذهني داخل المجموعة ومن تربطها بهم صلة.. ولما كان الأمر ذا صلة بالطيب صالح الأديب المثقف والروائي الأول لا في السودان بل في المشرق قاطبة.. لم يكن من الصعب الركون إلى فكرة تخصيص المبلغ الذي جمع لتشجيع ذات الفن الذي برع فيه صاحب الشأن.. فتبلورت فكرة تخصيص المبلغ لجائزة تسمى باسمه وتخصص لتشجيع فن الرواية.. وبارك الراحل الفكرة..!
ثم كان مركز عبد الكريم ميرغني الثقافي المعروف بجهده التنويري وأنشطته الثقافية وتاريخه الثر.. هو الحاضنة التي تقرر أن تنطلق منها الجائزة.. ثم وحرصا على ديمومة المشروع واستمراره فقد وضع المبلغ كوديعة في حساب خاص.. ثم أصبحت للجائزة شخصية اعتبارية مستقلة عن المركز.. وأصبحت لها سكرتارية فنية ومجلس أمناء.. وفي أكتوبر من العام 2002 انطلقت جائزة الطيب صالح للإبداع الروائي.. فكان الحدث الأهم أن خاطب نسختها الأولى وبارك مشروعها صاحب الشأن الأديب الكبير الطيب صالح.. ومضت الجائزة تعود في كل عام كحدث أبرز وفي العام السادس نبعت فكرة الاهتمام بالقصة القصيرة أيضا بجانب الرواية باعتبارها واحدة من انشغالات الطيب صالح كذلك.. الأولى تنعقد في الحادي والعشرين من أكتوبر في كل عام.. والثانية في السادس من أبريل.. ولا غرو فالثقافة صنو الحرية.. وقد يفسر ذلك بعض أسباب الحرب عليها.. وعلى حاضنتها مركز عبد الكريم ميرغني الثقافي!
وجائزة الطيب صالح التي يحتضنها مركز عبد الكريم ميرغني لم تكن مجرد لجان تنعقد وتنفض وتنظر في ما يقدم إليها وتبت فيها لتنطلق في احتفالات تملأ الفضاء.. كلا فقد ظلت الأنشطة المصاحبة تشكل هي الأخرى معلما من معالم المشهد الثقافي السوداني.. من مؤتمرات علمية وندوات نقدية.. يعقب كل هذا مطبوعات فخمة ضخمة تحمل في صفحاتها بجانب إبداعات المتسابقين كذلك حصيلة تلك الأنشطة المصاحبة.. فكانت ولا تزال تلك المطبوعات تمثل رافدا مهما من روافد المكتبة الوطنية السودانية.. واستثمارا وطنيا في الفكر الوطني.. وعائدات بيعها مع عائدات الوديعة هي الداعم الوحيد والمحرك لأنشطة الجائزة بدورتيها في كل عام.. ولعل هذا ما دفع بصديقي لمطالبتي بضرورة دعمها.. أي الجائزة..!
وعلى مدى نحو عقد من الزمان.. كانت الأحوال هادئة في الحي الشرقي.. كما يقول الفرنجة.. وكان المثقفون لما يتكأكؤون حول المركز وجائزته.. وفجأة.. رحل عن الفانية واسطة العقد وأيقونة الفكرة ولؤلؤة المشروع الطيب صالح.. ولما يمض عام على رحيله كانت قصة أخرى تنسج.. فكانت في ليلة التأبين قصة أخرى.. جعلت من الحزن حزنين..! نواصل.