منى ابوزيد

الرقم الوطني لا يَجُبُّ ماقبله ..!


“ليس أتعس من الموظفين في بلادنا إلا الواقفين على أبوابهم” .. الكاتبة ..!
عزيزي القارئ، مواطناً كنت أو مسئولاً، بالغاً كنت أو قاصراً، عاملاً حراً كنت أو رازحاً تحت قيد الرق الوظيفي/ قائماً بتكاليفك الدينية ومهامك الحياتية كنت أو هائماً على وجهك كنت، أو زول الله ساكت .. أرجو أن تتأمل معي في مضمون هذه الحكاية التي تشتمل على محن سودانية عصية على التفسير وإن جاز الشرح والتعبير ..!
يقول صاحب الحكاية: كنت قاصراً لم أبلغ السن القانونية بعد عندما توفي والدي – رحمه الله – وترك لنا بيتاً ورثت فيه مساحة مقدرة على الشيوع، ومرت الأيام والسنون وأصبحت بدوري أباً تجاوز عمري سن النبوة ببضع سنوات – على الأقل – وبقي الحال على ما هو عليه، إلى أن استجدت أمور اقتضت أن أذهب لاستخراج شهادة بحث بغرض التأكد ..!
ونظراً لانشغالي فقد أوكلت أمر استخراج شهادة بحث بغرض التأكد – لمساحتي الموروثة والمملوكة على الشيوع – إلى إحدى أستاذة محامية وقفت أمام موظف السجلات وهي تحمل توكيلاً معضداً ببطاقة الرقم الوطني الخاصة بي، فقال لها الموظق المسئول إن موكلك كان قاصراً حين استحقاق الميراث، ويجب أن نتأكد أولاً من رشده ..!
بعد دهشة لا حد لها، قررت الذهاب بنفسي، وهناك طلبت استخراج شهادة بحث بغرض التأكد، فقال لي ذات الموظف المسئول بأن هنالك منشوراً يقضي بأن أحضر شهادة ميلادي للتأكد من كوني قد أصبحت راشداً ..!
فقلت له إن هذا المنشور يتعارض مع المنصوص عليه قانوناً بأن الرقم الوطني شهادة معتمدة، تم استخراجها بموجب شهادة ميلاد وشهادة جنسية .. إلخ .. وعليه فهو يجبُّ ما قبله من شهادات وأوراق ثبوتية .. وبافتراض صحة الإجراء الغريب الذي يقضي بضرورة التأكد من رشدي بعد مرور كل هذه السنوات، ها أنذا أقف أمامك بكامل رشدي ولياقتي الصحية وقواي العقلية، فأين الضرر في اعتماد شهادة الرقم الوطني (التي لا تتم إجراءات استخراجها إلا بشهادة ميلاد أو تسنين) للموافقة على استخراج شهادة بحث بغرض التأكد من مساحتي الموروثة والمملوكة على الشيوع منذ العام 1989م..؟!
بعد مطاولات ومداولات عقيمة، أحسست أن روح (الليمبي) الذي كان الفنان “محمد سعد” يؤدي دوره فيلم (اللي بالي بالك) قد تقمصتني، وكدت أصيح في وجه موظف السجلات على طريقته وهو يخاطب الفنان “حسن حسني” قائلاً (طب إثبت إن أنا مش أنا) ..!
خرجت من مكتب الموظف المسئول وأنا مصاب بآلام في الرأس والمفاصل وضيق في التنفس وانتفاخ في القولون، وذبول في المشاعر وهبوط حاد في الهمة والقدرة على العمل .. وبما أن اليوم قد كان خميساً، فقد هرولت للحاق ببعض أعمالي، وعدت إلى ذات المكتب صباح السبت وأنا أحمل ماطلبوه من دلائل وقرائن على ثبوت “حالة رشدي” ..!
وقفت أمام الموظف المسئول – الذي كان يلبس الجلابية في ساعات العمل الرسمية ويجلس بلا مبالاة على كرسي الوظيفة – فأخبرني بأن أوراقي لن تكتمل إلا يوم الأحد لعدم وجود الموظف المسئول لأن اليوم كان سبتاً ..!
كدت أقول له بنفاذ صبر: إذا كان تسيير أمور البلاد والعباد لن يكتمل في أي سبت أخضر لأنكم تعملون بطاقة خمسين في المائة فقط فلماذا تشجمون أنفسكم عناء الدوام الرسمي، ولماذا تجشمون المواطن المسكين عناء الحضور ..!
كدت أن أقول ذلك، لكنني – لأسباب تعلمها – استدركت وقلت في نفسي إن السبب – بطبيعة الحال – هو “اللي بالي بالك” ..!