مقالات متنوعة

محجوب عروة : ماينمار ورسالة إلي المعارضة السودانية


أخيراً وبعد خمسين عاماً من الحكم العسكري في ميانمار وبعد عدة سنوات منذ حركة الإصلاح الديمقراطي بقيادة سيدة صبرت على الاعتقال والتعسف سنين عدداً حتى انتصر نهج التطور السياسي والدستوري ونجحت في تكريس عملية التحول والتغيير السلمي الديمقراطي السلس بديلاً للعنف والتمرد العسكري فاستحق تنظيمها النصر عبر انتخابات حرة ونزيهة وشفافة انتهت أمس أن قامت السلطة العسكرية في مشهد رائع بتسليم السلطة لرئيس وحكومة مدنية وأصبحت تلك السيدة وزيرة في الحكومة الجديدة، تم ذلك في مشهد رائع يعكس ممارسة سياسية في غاية التحضر والتمدن يستوجب الاحترام رأيناه عام ۱۹۸٦ مثلما فعل المجلس العسكري السوداني برئاسة المشير سوار الدهب ولكن للأسف لم تستفد القوى السياسية التي برزت عقب انتفاضة أبريل ۱۹۸٥ أن تتعظ حدث ما حدث بعد ذلك. كم نتمنى أن يحدث في عالمنا العربي الذي رزء بتخلف فكري وسياسي وحضاري منذ أول انقلاب عام ۱۹٤۸ في سوريا المنكوبة على يد الجنرال حسني الزعيم الى آخر انقلاب في مصر على يد الجنرال السيسي ويحاول المخلوع الطاغية علي عبد لله صالح العودة للسلطة عبر الانقلاب على الشرعية اليمنية التي جاءت للسلطة عبر انتخابات حرة بعد أن أقصاه الشعب اليمني العظيم في ثورة الربيع العربي عنوة واقتداراً.. يصر ويحاول صالح العودة عبثاً بتعاون مع المتطرفين الحوثيين ولم لا يفعل ذلك وقد أعمته شهوة السلطة والمال وهو الذي وصفه الرئيس المصري السادات ساخراً: (أقطع دراعي إن كان علي عبد لله صالح يعرف كامب ديفيد راجل ولا امرأة) !!.
إن ملحمة ميانمار السياسية تستحق أن تدرسها المعارضة وتعتبر بها، فالفرصة لمنهج التطور السياسي والدستوري السلس أفضل بكثير من منهج العنف الثوري العسكري والسياسي خاصة المسنود بقوى خارجية ولو استمر الرئيس الأسبق النميري عقب تطور الأحداث عام ۱۹۸۲ عندما حل الإدارات العليا للاتحاد الاشتراكي ودعا الى حوار سياسي وعسكري وقام بإحداث نقلة نوعية في نظامه واستجابت له المعارضة لكنا اليوم أفضل بكثير ولاستقر السودان وازدهر ولكن للأسف انتكس النميري وعدل عن رأيه استجابة لبعض صقور نظامه فأوقف الحوار وفصل أهم قيادات القوات المسلحة عقب لقائه الشهير معهم فلم يبقَ بعدها في الحكم كثيراً حيث ساد الاحتقان السياسي وأصبح النميري عبئاً على البلاد والمواطنين لدرجة استفزازهم في خطابه الشهير في مجلس الشعب كما أصبح عبئاً حتى على أصدقائه الأمريكان وبعض الدول العربية التي كانت تدعمه مالياً وسياسياً فتركوه لمصيره المحتوم..
وبنفس القدر بعد أن تكونت حكومات حزبية ائتلافية عقب تسلمها السلطة من المجلس العسكري الانتقالي واستمرت حركة قرنق في تعنتها بمحاولة فرض الشروط التعجيزية واعتبرت الانتفاضة(مايو تو) واستمرت في نهج التمرد العسكري واحتلال المدن وتهديد الشمال وأمن الوطن القومي بالاستعانة بقوى خارجية كما انتهجت الأحزاب السياسية نفس ما كانت تمارسه عقب ثورة أكتوبر ۱۹٦٤ من مكايدات وخلافات وأصبحت تدفع الفواتير السياسية لقوى خارجية فأدى ذلك إلى عودة الدورة السياسية الخبيثة في الثلاثين من يونيو ۱۹۸۹ .. والسؤال هل نكرر اليوم نفس الفشل أم نتعظ بما مضى؟؟