تحقيقات وتقارير

عقب اعتقال العشرات من زعماء القبائل الاقتتال القبلي بدارفور.. الانتقال إلى مرحلة “الكي بالنار


ترحيل ثمانين من زعماء الفلاتة والسلامات إلى سجن بورتسودان
ناظر الفلاتتة: الاعتقالات لم تتم بمشاورتنا ولن تؤدي إلى استقرار بالمنطقة

إيدام: الحل النهائي لا يتوقف على إجراءات مؤقتة بل المطلوب حلول جذرية
قيادي دارفوري: قرار الاعتقال يجب أن يحظى بسند من المركز

أبو البشر: تعيين الحكومة للإدارة الأهلية أضعف كلمتها أمام المواطنين
بعقوب الملك: الإدارة الأهلية سلطة اجتماعية وليست قضائية وإدارية
حارن : الحكومة عند إخفاقها تحمل الإدارة الأهلية المسؤولية كاملة

عقب قراراها الذي قضى باعتقال 83 من القيادات الأهلية من قبيلتي الفلاتة والسلامة استناداً على قانون الطوارئ، فإن حكومة جنوب دارفور وإمعاناً في المضي قدماً في فرض هيبة الدولة ـ كما تشير ـ أصدرت قراراً آخر قضى بتحويل القادة الشعبيين المعتقلين إلى سجن بورتسودان، في خطوة فسرها كثيرون بأنها آخر مراحل علاج النزاعات القبلية المسلحة بدارفور. وإذا كان البعض قد أشاد بنهج حكومة آدم الفكي الذي سبقه إليه من قبل الوالي الأسبق علي محمود، فإن آخرين يعتقدون بأن رجال الإدارة الأهلية لا يتحملون وحدهم مسؤولية الاقتتال القبلي الذي ظل يحصد الأرواح بالإقليم الغربي المثخن بالجراحات منذ 2003.

قوات مشتركة
وكانت حكومة جنوب دارفور قد كونت قوات مشتركة لمجابهة النزاعات القبية المسلحة ومنحتها صلاحيات واسعة من بينها حق الاعتقال والتوقيف بجانب جمع الأسلحة الثقيلة من أيدي المواطنين بمناطق النزاعات، وقال والي جنوب دارفور آدم الفكي إنه لن يستثني في ذلك القرار أي رجل أداره أهلية يسعى إلى زعزعة استقرار الأمن، وتوعدهم بالتوقيف والتحويل إلى سجون بورتسودان وفقاً للصلاحيات التي منحت للقوات العازلة بعد أن رفضت بعض القيادات التي تشير إليهم أصابع الاتهام بالتورط في الأحداث الأخيرة الخطوة، إلا أن آخرين يعتبرون أنها ناجحة وتم تطبيقها في توقيتها المناسب لأنهم يعتقدون بوجود قيادات سياسية وإدارات أهلية ضالعة في الصراع الأخير، وفي ذات السياق يشير القيادي بالإدارة الأهلية ورئيس حزب الدستور، يعقوب المالك في حديثة لـ(الصيحة) إلى إنه ينظر لأمر التوقيف من زاويته الإيجابية، ويضيف: هذا القرار لم يصدره الوالي منفرداً وله سنده من المركز وهو بداية لفرض هيبة الدولة التي كانت مفقودة، وعلى الحكومة أن تذهب أكثر من ذلك بأن تسحب كل الأسلحة التي سلمتها من قبل للقبائل، ويشير إلى أن أسباب كثيرة دفعت الحكومة إلى اتخاذ قرار يقضي بتوقيف رجالات الإدارة الأهلية التي تتورط قبائلهم في صراعات مسلحة أبرزها فشل سياسة المصالحات والمؤتمرات، وقال أن تكوين قوات مشتركة بصلاحيات واسعة خطوة جيدة وأنه وعلى ضوء ذلك شنت هذه القوات حملة إعتقالات واسعة وسط العشرات من أعيان الإدارة الأهلية لقبيلتي الفلاتة والسلامات على خلفية الصراعات التي اندلعت مؤخرًا.

رأي مخالف
بالمقابل قال الناظر السماني يوسف ناظر قبيلة الفلاتة إن السلطات الولائية دفعت بقوات عسكرية كبيرة للمنطقة الفاصلة بين محليتي تلس وبرام وإنها اعتقلت أكثر من ثلاثين شخصا من قبيلته بينهم عمد وأعيان بمنطقة رجاج التابعة لمحلية تلس، وقامت بترحيلهم إلى مدينة نيالا، وقال السماني إن تلك التصرفات لم تتم بمشاورتهم ولن تؤدي إلى استقرار بالمنطقة مشيراً إلى وقوع اعتقالات مماثلة أيضاً لعدد من قيادات قبيلة السلامات، مؤكداً أن النزاع بين الطرفين يحل في إطار تنفيذ توصيات مؤتمر برام في العام الماضي، محملاً الحكومة عدم تنفيذ الطرفين لتوصيات المؤتمر.

الاعتقال ليس عرفاً
في الوقت الذي تم فيه توقيف رجال الإدارة الأهلية وتحويلهم إلى سجن بورتسودان فإن البعض اتهم حكومة الولاية بالتقصير والبحث عن مشجب لتعلق عليه إخفاقها.

وهنا يشير الدكتور إيدام عبد الرحمن إيدام والوزير ورئيس المجلس الأسبق بجنوب دارفور، في حديث لـ(الصيحة) الى أن الخطوة الأخيرة تؤكد ضعف آليات الحكومة، ويقول إن الحكومة في بداية الأزمة لم تتدخل لإلقاء القبض على الجناة الحقيقيين الذين يثيرون الفتن بغرض تأجيج نيران الصراعات القبلية المسلحة، لافتاً إلى أن تدخل الحكومة دائماً ما يأتي كردة فعل على الحدث، ويرى أن اعتقال رجال الإدارة الأهلية قد تكون خطوة مبررة لدى البعض إلا أنه يرى أن إقصاء رجل الإدارة الأهلية من منصبه بقرارات سياسية أمر غير مقبول لأنها ليست من أعراف أهل الإدارة وسلطاتهم، وقال إن القانون ينص على أنه يجب أن يحاسب رجل الإدارة الأهلية قبل الفصل حتى تتحقق العدالة، وأردف: زعماء الإدارة الأهلية يتم اختيارهم من قبل مجتمعاتهم القبيلة، لذا فإن أي محاولة لفصلهم أو إبعادهم عن مناصبهم يجب أن تمر بأخذ رأي القواعد التي اختارتهم، فضلاً عن أن أسلوب التهديدات للإدارة الأهلية لن يزيدهم إلا عصياناً، ويجب الابتعاد عن التدخل المباشر في حسم الصراعات القبلية وذلك في ظل وجود أجهزة رسمية ذات سلطات قانونية وقضائية أكثر من زعماء القبائل.

قرار موفق
فيما يرى القيادي يعقوب الملك القضية من زاوية مختلفة، ويشير في حديث لـ(الصيحة) إلى أن رجل الإدارة الأهلية مطالب دوماً بالتصدي لكل من يسعى لإثارة الفتنة، ورأى أن الإدارة الأهلية سلطة اجتماعية وليست قضائية وإدارية، وقال إن جهات لم يسمها ساهمت في تقوية شوكة القبلية وارتفاع صوتها، غير أنه طالب بإطلاق يد السلطات الأمنية والعدلية حتى تصل الى المجرمين الذين يعتبرهم سبباً مباشراً في توسيع شقة الخلاف بين القبائل، لافتاً إلى أن قرار اعتقال الإدارة الأهلية يجب أن يحظي بسند من المركز وذلك لأن الصراع بين السلامات والفلاتة بات غريباً ومثيراً للدهشة، لجهة تجدده كل فترة حاصداً أرواحاً بريئة لا ذنب لها، وقال: هل يعقل أن يتم عقد مؤتمر صلح كل فترة بين القبيلتين ثم يتجدد الصراع، هذا يعني أن ثمة شيء غير طبيعي استدعى التدخل القوي للحكومة حفاظاً على حياة المواطنين، مطالبين الطرفين بتحيكم صوت العقل ونبذ شيطان الخلافات، وذلك لأن الاقتتال المسلح لا يحل مشكلة، بل يسهم في تعقيد الأوضاع ويحدث تباعداً بين الطرفين بل ويلقي بظلاله السالبة على مجمل الأوضاع بدارفور.

سياسة جيدة
من ناحيته يؤكد الرئيس الأسبق لصندوق المصالحات القبلية بجنوب دارفور، عثمان التوم، أنه من أنصار اتخاذ قرارات أكثر شجاعة لمعالجة أزمة الصراع القبلي المسلح، ويرى في حديث لـ(الصيحة) أن اعتقال رجال الإدارة الأهلية ورغم مراراته إلا أنه يعتبر أحد الحلول التي من شأنها وضع الأمور في نصابها كما أنه يسهم في بسط هيبة الدولة، وسيادة حكم القانون، ويلفت إلى أن الإجراءات الأخيرة جاءت في توقيتها السليم، لأن الإدارة الأهلية مسؤولة عن السلم الاجتماعي، وإذا عجزت عن أداء دورها فلابد من تدخل الدولة وبحث أوجه القصور .

رأي رافض
سبق لوالي جنوب دارفور الأسبق علي محمود أن زج بالعشرات من رجال الإدارة الأهلية السجون في أحداث مشابهة، واتهمهم بالتقصير في أداء واجباتهم، إلا أن كثيرين ومنهم القيادي محمد حارن أحمد أبو البشر يعتقدون أن الحكومة وعندما تخفق فإنها تحمل الإدارة الأهلية المسؤولية كاملة، وقال إن الجهات المسؤولة تحمل القادة الشعبيين مسؤوليات تفوق قدراتهم وإمكانياتهم وصلاحياتهم، ويرى أن هذا يوضح غياب الرؤية الحكومية الثاقبة في معالجة المشاكل القبلية، وقال إن من أكبر الأخطاء التي ظلت تقع فيها الحكومة تعيينها للإدارة الأهلية وفرضها على المواطنين وهذا أضعف من كلمتهم ووجودهم لأنهم يمثلون الحكومة ولا يعبرون عن قضايا المواطنين.

تبريرات
ويعود يعقوب الملك لينفي إيجادهم تبريرات للحكومة، ويؤكد أن الحكومات المتعاقبة للولاية ارتكتب الكثير من الأخطاء في هذا الصدد، منها إنشاء صندوق لدفع الديات مما أفرغ العقوبة من محتواها وشجع على التمادي في القتل، وقال إن الحكومة إذا حملت الجناة مسؤولية دفع الدية فإنهم لن يرتكبوا جرائم قتل مجدداً بل ويكونون عظة لغيرهم، مبيناً غياب القرارات الحكومية الشجاعة خلال الفترة الماضية، ويشيد بالقرار الأخير الذي اتخذه والي جنوب دارفور الهادف لتطبيق العدالة وحقن الدماء، ورأى أن الإدارة الأهلية لا يمكن أن تتخذ قرارات تقضي بإيقاف أفراد تابعين لها، لذا فإن حكومة الولاية فعلت هذا الشيء من أجل المصلحة العامة.

رسميون في قفص الاتهام
ويشير آخرون إلى أن خطوة والي الولاية الأخيرة القاضية بتوقيف زعماء من الإدارة الأهلية تعتبر وبكل المقاييس جيدة، إلا أنهم يلفتون الى ضلوع آخرين في النزاعات القبلية المسلحة وأنهم رغم مشاركتهم في تأجيج نيران الصراعات إلا أنهم يظلون بعيداً عن دائرة الاتهام والتوقيف، مطالبين بأن تطال قرارات والي جنوب دارفور الكثير من السياسيين الذين يتخذون القبائل مطية للوصول إلى المناصب، ويؤكدون أن الكثيرين منهم لا يتوانون في إذكاء نيران الصراعات القبلية المسلحة.

عزل القيادات
بشهادة الكثير من الذين تحدثوا لـ(الصيحة) فإن أسباباً أخرى كان لها أثر كبير في تفشي النزاعات القبلية، ويرون أن أبرزها العزلة التامة التي ضربت على قيادات ورموز الولاية في عهد آدم الفكي، ويؤكدون أن الرموز وبغض النظر عن رأي البعض فيهم إلا أنهم يظلون مؤثرين وأن الوالي مطالب باستشارتهم وعدم تهميشهم وذلك للخبرة الكبيرة التي يتمتعون بها والعلاقات الواسعة التي تجمعهم بمختلف المكونات الاجتماعية، وهنا يشير إيدام عبد الرحمن الى أن القيادات والرموز يمكنهم لعب أدوار مؤثرة تصب في مصلحة النسيج الاجتماعي والمحافظة عليه، ويرى أن الحل النهائي للمشاكل القبلية لا يتوقف على إجراءات مؤقتة بل حلول جذرية، وأضاف: اللجوء إلى الحلول الأمنية جزء من العلاج لكنها في النهاية تعتبر استثناء وضرورة حتمتها أوضاع معينة، وفي تقديري أن المطلوب هو استشعار الجميع بأهمية الحفاظ على الأمن وتماسك النسيج الاجتماعي، وذلك عبر الحلول السلمية، وذلك لأن الحلول الأمنية لها نتائج عكسية تنتج من تراكمات وستلقي بظلالها السالبة على موروثات وقيم إنسان دارفور، لذا أعتقد أن الأمن يجب أن يكون مسؤولية الجميع.

دور المجتمع
من ناحيته يشير عثمان التوم الى أن دارفور تبدو حالياً في أمس الحاجة لعمل اجتماعي ضخم يستهدف المصالحات وتجاوز مرارات الماضي ومعالجة الشرخ الذي أصاب النسيج الاجتماعي، مؤكداً على أن الدولة ومهما اتخذت من إجراءات فإنها لا تستطيع بمعزل عن المجتمع إحلال السلام في دارفور وإيقاف النزاعات القبلية المسلحة، ويرى أن دور المجتمع في المرحلة القادمة متعاظم وإستراتيجي، وأن عليه المضي قدماً في نهج المصالحات لأنه يقود إلى إحداث اختراق حقيقي في جدار النزاعات والتباعدات القبلية، ويرى ضرورة التمسك بالمؤتمرات والمصالحات وذلك لإسهامها في إزالة ما يعلق بالنفوس.

نيالا: عبد الرحمن إبراهيم
صحيفة الصيحة